/ صفحة 387/
وقال عبدالملك بن مروان لارطاة بن سهية: أتقول الشعر؟ فقال: والله ما أطرب، ولا أغضب، ولا أشرب، ولا أرغب، وإنّما يكون الشعر عند احداهن; وقال أبو على البصير:
مدحت الامير الفضل أطلب عرفه *** وهل يستزاد قائل وهو راغب؟
فأفنى فنون الشعر وهي كثيرة *** وما فنيت آثاره والمناقب
فجعل الرغبة غاية لا مزيد عليها. ا هـ(1)
وسأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنة زهير بن أبي سلمى: ما فعلت حلل هرم بن سنان التي كساها اياك؟ قالت: أبلاها الدهر; قال: لكن ما كسا أبوك هر ما لم يبله الدهر.
وقال لبعض ولد هرم بن سنان: أنشدنى ما قال فيكم زهير; فانشده; فقال: لقد كان يقول فيكم فيحسن! قال: يأميرالمؤمنين، انا كنا نعطيه فنجزل; قال: ذهب ما أعطيتموه وبقى ما أعطاكم!(2)
والامام عمر بن الخطاب أديب فخم ذواقة، فهل يقضى بالخلود في أسلوبين مختلفين ((و ما كسا أبوك هرما لم يبله الدهر - ذهب ما أعطيتموه وبقى ما أعطاكم)) غاية في البلاغة لشعر تنقصه العاطفة، أو يعوزه الطبع الاصيل؟! ثم أليس هذا الشعر مدحاً؟!
وهل بلغ الفن الشعرى غاية سمّوه الا بالافتنان في المدائح جرياً وراء اشباع الرغبة في الظفر بأسنى الجوائز، والفوز بأفخر الهبات! وانه لجد صادق من يقول: ان اللّها تفتح اللّها(3)
* * *
ــــــــــ
(1) العمدة ج 1 ص 100.
(2) غاية الارب ج 3 ص 90
(3) اللهما اللّها بالضم: أفضل العطايا وأجزلها، وبالفتح جمع لهاة: لحمة حمراء في الحنك معلقة على عكدة اللسان; ومفرد المضمومة لهوة.