/ صفحة 37/
حين يأخذه النوم كيف تساوره الأحكام، وحين تتقلب عليه المؤثرات: كيف يسر ويحزن، ويخاف ويأمن، ويرضى ويغضب؟ لأنه ذو نفس تسرى عليها أحوال النفوس وأعراضها الجِبِليّة.
الإنسان في هذه الميادين كلها أسير طبيعته، وسجين فطرته. لا جرم وضعت عنه فيها كل الأحمال والأعباء، لأنه يستوى هو وسائر الأشياء.
لكنَّ له من فوق هذه الميادين ميدانا أعلى، يمتلك فيه حريته، ويبرز فيه سلطانه، وتتقرر فيه مسئوليته، ذلك حيث تسْلِس له الطبيعة قيادها، وتملكه زمامها، وتمهد له سبلها المختلفة ينتقى منها وينتخب، تحليلا أو تركيبا، تعميراً أو تدميرا; وذلك حيث ثأذن له قواه البدينية وا لنفيسة وعلائقه الخاصة والعامة، أن ينصرف فيها قبضا أو بسطا، رفعا أو خفضا، قطعا أو وصلا، يؤاسى ويأسو، أو يجرح ويقسمو، يألف ويؤلف، أو يتجبر ويتكبر، يضيع أمانته أو يصونها، يحمى أو طانه أو يخونها، يرفع رأسه إلى السماء طلبا للمثل العليا، أو ينكس بصره إلى الأرض سعيا وراء زخرف الدنيا...
الإنسان في هذا كله وفي سائر تصرفاته الاختيارية سيد مسئول، ومسئوليته مشتقة ن سيادته، انه سيد بتسويد الله اياه منذ جعله خليفة في الأرض، فمكنه منها، واستعمره فيها، وانه مسئول بموجب هذه السيادة أن يؤدى حقها.
كم من مرة سمعنا الكلمة المأثورة: ((ان من نعم الله عليكم حاجة الناس اليكم، غير أننا عند سماع هذه الكلمة كنا نفهمها على صورة ضيقة وفي نطاق محدود، إذ كان يبدو لنا أن صاحب المال أو صاحب الجاه هو الذي ينبغى أن يعد نفسه في نعمة لقدرته على قضاء حاجة المحتاجين، أما الآن فاننا نفهمها في أوسع معانيها، ونستطيع أن نناشد بها الناس جميعا قائلين: ((ان من نعم الله عليكم حاجة المجتمع، بل حاجة الكون اليكم)) ذلك أن مطالب الحياة والصحة والعلم والقوة والأمن والرخاء والعدل والبر والرحمة والانسان وسائر القيم الكبرى، والمثل العليا، لا غنى لها طرفة عين عن تضافر القوى البشرية، وتماسك أيديها وسواعدها وتعاون عقولها وقلوبها، فنحن جميعا شركاء في المسئولية، لا فضل لكبير على