/ صفحة 362/
ثانياً: ان فلاسفة اليونان وفي مقدمتهم المعلم الأول أرسطو، يؤيدون الاسترقاق، فاديمقراطية اليونانية بوجه عام تقسم البشرية قسمين: أحراراً وعبيداً ويدل تاريخ اليونان على أن النخاسين كانوا يرافقون الجيوش في غزواتها ويختطفون الرجال والنساء والاطفال يتخذونهم عبيداً، ويعرضونهم في الاسواق للمزايدة، وكانت أثينا بنوع خاص - وهي أشهر مدن الديمقراطية في اليونان - معرضاً لهؤلاء الارقاء، وسوقاً علنية للمساوية بين المشترين.
ومن الغريب أن أرسطو وهو أكبر الفلاسفة وأغزرهم مادة، وأقواهم حجة وأوسعهم اطلاعاً قد خضع لهذا المبدأ الخاطىء، فذهب في مؤلفاته إلى تأييد الاسترقاق قائلا انه سنة الطبيعة وفطرة الإنسان، وان الناس خلقوا صنفين.
أحراراً وعبيداً، وهؤلاء العبيد خلقوا بالطبيعة أداة للاستغلال في الحقل وغيره تحت امرة الاحرار يستخدمون كما تستخدم الانعام، وأن الخروج بهم عن دائرة الاسترقاق إنّما هو خروج بهم عن طبيعتهم، وما فطروا عليه فحريتهم أذى لهم كما تخرج الحيوان من بيئته الطبيعية وما فطر عليه كيانه.
ثالثاً: أن النظام الاغريقى أي اليونانى يبيح الفتح والحرب واذلال الشعوب الاخرى، والتوسع في الاستعمار، ولا يخفى أن المدنية الصحيحة تنكر هذا اللون من الديمقراطية، وتقرر أن لكل أمة حقها في الحرية والكرامة، فلا تخص بذلك أمة دون أمة.
ومن ذلك يتبين أن اليونان يخرجون على هذا المبدأ السليم حين يؤيدون الديمقراطية لامتهم ويأبونها على غيرهم.
رابعاً: كان في اليونان في بعض أزمنتها تفرقة بين المواطنين أنفسهم، كما كانت عليه البلاد الاخرى المحيطة بها في الشرق وفي أفريقيا مثلا، فكان الناس في نظرهم - أحياناً - طبقات، وما كان للتجار أو المزارعين أو الصناع تلك المنزلة التي كانت للنبلاء وذوى النفوذ.