/ صفحة 359/
وقد روى تفسير الوسيلة بالقربة عن كثير من السلف، وعبارتهم: تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه، وجاءت الكلمة فى الحديث اسماً لمنزلة معينة فى الجنة، فقد روى أن عبدالله بن عمر سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا على، فانه من صلى على صلاة صلى الله عليه عشراً، ثم سلوا لى الوسيلة، فانها منزلة فى الجنة لا تنبغى الا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون هو، فمن سأل لى الوسيلة حلت عليه الشفاعة)) .
هذا ومن البين أنه لايمكن حملها فى القرآن على ارادة هذه المنزلة لاختصاصها كما جاء فى الحديث به صلى الله عليه وسلم، والوسيلة التى وردت فى القرآن قد اقترن بها ما يجعلها صريحة فى ارادة القربة إلى الله، فآيتنا تقول: ((اتقواالله وابتغوا إليه الوسيلة، وجاهدوا فى سبيله)) والضمائر لا مرجع لها سوى لفظ الجلالة، وآية الاسراء تقول: ((قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، وهى ظاهرة فى معنى القربة أيضاً من جهة ما تضمنته الآية من انكار دعوة غير الله مما لا يملك كشف الضر عن الداعين ولا تحويله.
ومن هنا قال الالوسى: ((كون الطلب هنا للنبى صلى الله عليه وسلم مما لا يكاد يذهب إليه ذهن سليم)) ولما كانت تقوى الله بالمثابة التى شرحنا، وكانت الوسيلة ترجع كما أسلفنا عن ((الراغب)) إلى مراعاة سبيل الله بالعلم والعبادة، وتحرى أحكام الشريعة، ومكارم الاخلاق، وهما مما يثقل على النفس الإنسانية التى تحيط بها الشهوات، وتتحكم فيها الرغبات، أن تحصل عليه فى يسر وسهولة شد الله أزر الإنسان المؤمن بطلب الجهاد فى قطع هذا الطريق الشاق، وقواه على تحمل أعبائه بضمان الفلاح له فى الدنيا والاخرة، فقال ((لعلكم تفلحون)) .
والاية بعد هذا واضحة فى معناها، واضحة فى هدفها، ليس لها مدلول ولا دلالة على غير ما يتبادر منها وتقضى به بيئتها، وهو الاعتماد فى الوصول إلى الله على