/ صفحة 309/
يستساغ الآن وقوعه فيه، بعد أن وصلت تلك الطلائع إلى ما وصلت إليه، ونجحت الطائرات ذلك النجاح الذي لايقف عند حد، وليس فى هذا ما يؤثر فى معجزة سليمان (عليه السلام) إذا أخذت على ظاهرها، لأن بساطه كان يسير يتسخير الله تعالى للريح، فلا يستعان فيه بوسائل مما يستعان بها فى تلك الطائرات.
وأما الثانى فهو الشيخ عبدالرحمن بن حسن الجبرتى من علماء الازهر، ولد بالقاهرة سنة 1167 هـ - 1754 م، وتوفى بها سنة 1240 هـ - 1825 م، فأدرك الحملة الفرنسية بمصر، وأدرك عهداً طويلا من ولاية محمد على باشا عليها، وشاهد بنفسه آثار طلائع الحضارة الاوربية فيها، ورأى ما كان لها من الاثر فى هزيمة المصريين أمام الحملة الفرنسية، فلم يستخفّ بها فى تاريخه المشهور كما اتسخف بها شهاب الدين الالوسى، بل كان على النقيض منه فى شعوره بها، لأنه بهت بها إلى حد الاعتراف بالعجز عنها.
فقد ذكر فى تاريخه ما شاهده فى المعهد العلمي الفرنسى من طلائع الحضارة الاوربية، فقال: ومن أغرب ما رأيته فى ذلك المكان أن بعض المتقيدين لذلك أخذ زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة، فصبّ منها شيئا فى كأس، ثم صب عليها شيئاً من زجاجة أخرى، فعلا الماء، وصعد منه دخان ملون حتى انقطع وجفّ ما فى الكأس وصار حجراً أصفر، فقلبه على البرجات حجراً يابساً أخذناه بأيدينا ونظرناه، ثم فعل كذلك بمياه أخرى فجمد حجراً أزرق وبأخرى فجمد حجراً أحمر ياقوتيا، وأخذ مرة شيئاً قليلا جداً من غبار أبيض ووضعه على (السندال) وضربه بالمطرقة بلطف فخرج له صوت هائل كصوت -القرابانة - انزعجنا منه، فضحكوا منا وأخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة فى مقدار الشبر ضيقة الفم، فغمسها فى ماء قراح موضوع فى صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص، وأدخل معها أخرى عى هيئتها، وأنزلهما فى الماء وأصعدهما بحركة النحبس بها الهواء فى احداهما، وأتى آخر بفتلة مشتعلة، وأبرز ذلك فم الزجاجة من الماء وقرب الاخر الشعلة إليها، فخرج ما فيها من الهواء المحبوس، وفرقع بصوت هائل أيضاً، وغير ذلك أمور كثيرة وبراهين حكمية تتولد من