/ صفحة 308/
ويتمثل شعور شهاب الدين الالوسى بازاء طلائع الحضارة الاوربية فى تفسيره للاية - -81 من سورة الانبياء: ((و لسليمان الريح عاصفة تجرى بأمره إلى الأرض التى باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين)) فقد روى عن مقاتل أنه قال: نسجت لسيمان (عليه السلام) الشياطين بساطا من ذهب وابريسم فرسخاً فى فرسخ، ووضعت له متبراً من ذهب يعقد عليه، وحوله كراسى من ذهب يقعد عليها الانبياء (عليهم السلام)، وكراسى من فضة يقعد عليها العلماء، وحولهم سائر الناس، وحول الناس الجن والشياطين والطير تظله من الشمس، وترفع ريح الصبا البساط مسيرة شهر من الصباح إلى الرواح، ومن الرواح إلى الصباح.
وكانت أوربا فى عصر شهاب الدين الالوسى قد بدأت فى اختراع الطائرات، فوصل إليه خبر هذا الاختراع فيما وصل إليه من طلائع الحضارة الاوربية، فاستطرد إلى ذكره فى تفسير هذه الآية فقال: ومن العجب أن أهل لندن قد أتعبو أنفسهم منذ زمان بعمل سفينة تجرى مرتفعة فى الهواء إلى حيث شاءوا بواسطة أبخرة يحبسونها فيها اغتراراً بما ظهر منذ سنوات من عمل سفينة تجرى فى الماء بواسطة آلات تحركها أبخرة فيها، فلم يتم لهم ذلك، ولا أظنه يتم حسب ارادتهم على الوجه الاكمل، وأخبرنى بعض المطلعين أنهم صنعوا سفينة تجرى فى الهواء، لكن لا إلى حيث شاءوا بل إلى حيث ألقت رحلها.
وكان غير هذا الاستخفاف بهذه الطلائع العجيبة للحاضرة الاربية أولى بشهاب الدين الالوسى، وهو العالم المتبحر فى العلوم، وله فيها من المؤلفات ما يدل على طول باعه، وحسن اجتهاده، ولكنه لكل جواد كبوه، ولكل عالم نبوة، ولو أنه أعطى هذه الطلائع قدرها لعرف ما آلت إليه الآن، وعرف ما يكون لها من حسن الاثر فى أهلها، وما يكون لها من سوء الاثر فينا، إذا لم نتنبه من غفلتنا، ولم نجار هذه الامم فى ميدان هذه الحضارة، ولكنه كان فى العراق الذي لم يصب بشيء فى ذلك الوقت من أمم أوربا، وكان فى أحضان دولة لا يزال ملكها عريضا على ضعفها، فحمله هذا على ذلك الاستخفاف الذي لايليق به، ولا