/ صفحة 28/
من الفراغ الذي يحدثه ذلك في شئون الشعوب الشرقية والاسلامية التي هي في أمسِّ الحاجة إلى مال الغرب واسلحة الغرب ومنتجات الغرب، مما قد يؤدى إلى كارثة أو على الأقل إلى محنة شديدة ليست هذه الشعوب الآن على استعداد لتحملها.
والرأى أن يبادر المسلمون والشرقيون إلى علاج هذه الناحية علاجا سريعاً فعالا، فيتخذوا جميع الوسائل التي تجعل منهم شعوباً عالمة عاملة منتجة مرباة تربية خلقية وطنية، مستعدة لأن تصبر وتصابر وتزهد وتتقشف وتعيش على ما تنتجه هي لا على ما تستجلبه من بلاد أعدائها، وأن يعملوا في الوقت نفسه على أن يكون لهم مُتَنَفّس من الشعوب الحرة التي ليست لها نزعات استعمارية، وهى بحمد الله كثيرة في الشرق والغرب والشمال والجنوب، فيعقدوا معها المعاهدات الاقتصادية، ويتبادلوا وإياها المنافع والمصالح. ان الشعوب الشرقية والاسلامية تستطيع حينئذ أن تقاطع أو تهدد بالمقاطعة فلا يكون ذلك منها هزؤا ولا لعبا.
لقد قاوم الشعبُ الألمانى الموتَ الذي فرضه عليه غالبوه أكثر من مرة ذلك لأنه شعب ينطوى على حيوية انتاجية عملية هي من أثمن ما تنطوى عليه الشعوب، انه إذا حاقت به أزمة تلقاها صابراً، واحتال لها فابتكر واثمر واقتصد وكد وتعب وزهد، وصال وجال في المجتمع الدولى باحثا عن عملاء وحرفاء، فإذا هو بعد بضع سنين يعود إلى القوة، ويعرف كيف يفرض ارادته على الذين قهروه في ميادين الحرب، وسرعان ما يكون له بين الشعوب شأنه وكرامته.
فهذه هي السبيل التي يجب على الشعوب الشرقية والاسلامية أن تسلكها لو أرادت أن تلزم خصومها بالاعتراف بها والاذعان لها، وأن تضيع حجتهم عليها بالحاجة إليهم، وعدم الاستغناء عنهم. الناحية الثانية: ما يعمل له المستعمرون من تقطيع الأواصر بين هذه الشعوب، وذلك باحياء النزعات الشعوبية، واستغلال الخلافات المذهبية والطائفية فانهم لا يطيقون سياسة موحدة بين شعوب الشرق والإسلام، وقد حسبوا