/ صفحة 278/
يقول المقرّى: ((و كان زرياب عالماً بالنجوم، وقسمة الاقاليم السبعة، وتصنيف بلادها وسكانها، مع ما سنح له من فك كتاب الموسيقا، ومع حفظه لعشرة آلاف مقطوعة من الاغانى بألحانها; وهذا العدد من الالحان غاية ما ذكره بطليموس واضع هذه العلوم ومؤلفها، وقد جمع زرياب إلى خصاله هذه، الاشتراك فى كثير من ضروب الظرف وفنون الادب ولطف المعاشرة، وحوى من آداب المجالسة، وطيب المحادثة، ومهارة الخدمة الملوكية ما لم يجدّه أحد من أهل صناعته; حتى اتخذه ملوك الاندلس وخواصهم قدوة فيما سنه لهم من آدابه، واستحسنه من أطعمته، فصار إلى آخر أيام أهل الاندلس منسوباً إليه، معلوماً به، حتى طريقة ترجيل االشعر وقصه، والحفّ والتطبيب والملابس والشراب الخ الخ. وهو أول من استبدل الزجاج بآنية الذهب والفضة; واخترع فى العود وتراً خامساً، وجعل مضرابه من قوادم النسر للطف قشر الريشة ونقائه وخفته على الاصابع، وطول سلامة الوتر على كثرة ملازمته اياه)) اهـ.(1)
* * *
فإذا انتقلنا إلى القرن الرابع، برز أمامنا، وفود أبي على القالى على عبدالرحمن الناصر ((الثالث)) وقد أصبحت الاندلس خلافة على يده، لضعف الخلافة العباسية وتسلط المماليك على الخفاء، حتى لقد قتل مؤنس الخادم مولاه المقتدر بالله الخليفة العباسى.
وفد القالى على عبد الرحمن الناصر، فعهد إلى ولده الحكم بأمر استقباله، فأمر هذا أحد عماله بأن يستقبله فى موكب نبيل، ويمضى به إلى قرطبة ففعل، وهناك لقى من ضروب الكرامة، ومن سنىّ الصلات، ما جعله يلقى عصا التسيار، ويستقر به النوى فى ظلال قرطبة; وهناك يملى كتابه، ويطرزه باسم أميرالمؤمنين الحكم المستنصر، صاحب الايادى البياض على العلم والعلماء،
ــــــــــ
(1) نفح الطيب ج 2 ص 109 ط أزهرية.