/ صفحة 234/
الغسل، حصل الخفى أو لم يحصل، ونظير هذا ما قالوه في المشقة بالنسبة للسفر، واقامة السفر عنوانا عليها حتى نيط به لا بها الحكم وهو الترخص، فقصر المسافر الذي يتقلب في النعيم والراحة.
قال الجمهور: وبهذه الاحاديث الصحيحة المروية وبهذا المعنى المعقول المقرر في قواعد الاصول، وقع بيان المراد بالجنابة في قوله تعالى: ((و إن كنتم جنبا، ويصير معنى الآية على هذا، وإن خرج المنى منكم ظاهرا أو حكما عند وجود سببه وجب الغسل، وهو نوع من البيان والتفسير الذي أرشدت إليه مصادر البيان والتفسير.
واستدل غير الجمهور ومنهم أبوسعيد الخدرى، وزيد بن خالد، وابن أبي وقاص ومعاذ، بالحديث المتفق عليه: ((إنّما الماء من الماء)) وهو ظاهر في أن الغسل لايكون الا بالانزال، ورد الجمهور عليهم بأن هذا الحديث لا ينهض لمعارضة حديث عائشة وأبى هريرة، لأن عدم الغسل في حالة عدم الانزال مستفادة منه بطريق المفهوم، وهما يفيدان وجوب الغسل عند عدم الانزال بطريق المنطوق ومن المقرر أن المنطوق أرجح من المفهوم، وأن المفهوم لا يعارضه، وقالوا:
على فرض أن القضية الحاضرة تفيد الجانبين بطريق المنطوق، كما ذهب إليه بعض الاصوليين، فالحديث منسوخ بما روينا، وبما جاء صريحا في النسخ من رواية أحمد وأبى داود، عن أبي بن كعب قال: إن الفتيا التى كانوا يقولون: ((الماء من الماء، رخصة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص بها في أول الإسلام ثم أمرنا بالاغتسال بعدها)) وفي لفظ: ((إنّما كان الماء من الماء رخصة في أول الإسلام، ثم نهى عنها)) رواه الترمذى وصححه.
وبهذا ثبت نسخ الماء من الماء بطريق النص والنقل، ومثل هذا لا سبيل إلى القول بانكاره، وبذلك تمت الحجة للجمهور، وصار من الواجب الديني الحتم على المسلمين وجوب الغسل بالغيبوبة وإن لم يحصل انزال، وهذا مما يجب إن يعرفه كثير من المسلمين الذين جهلوا أحكام دينهم، وساروا في عبادتهم بمقتضى