/ صفحة 177/
للوجود - لما لقى في دعوتهم إلى الحق والفضيلة من الصعاب مثل ما لقى منهم في هذا السبيل، على النحو الذي يتحدث به مؤرخو الدعوة الإسلامية.
ولو أن الفضيلة والحق يجذبان اليهما الناس في يسر، مثل ما يجذب الباطل وتجذب الرذيلة، لخف شأن الدعوة إلى الخير، ولصارت الشعوب والجماعات إلى مجتمع فاضل يعرف الحق ويسير في طريق الفضيلة بحكم تطور أفرادها، دون حاجة إلى دعوة والى داع، الا في القليل النادر. وإذا دعا الادعى إلى الحق والفضيلة عندئذ كانت دعوته أشبه بتنبيه وبلفت نظر، ولم يحتج فيها إلى تكرار أو الحاح.
لكن دعاة الحق والفضيلة قليلون، والدعوة اليهما شاقة صعبة، والمستجيبون لهما لايعدون أصحاب قيمة عددية في الجماعة، وان كان لهم اعتبار فيها من حيث قوة ارادتهم في توجيهها.
ولأن الدعوة إلى الحق والفضيلة شاقة والسبيل لاقناع الناس بهما غير معبدة كان من العوامل القوية في النجاح في الدعوة لهما صبر القائمين عليها وتمسكهم في سلوكهم الشخصى بالنتائج المترتبة على الايمان بهما.
وان قيمة الإنسان الحقة ليست في اتباعه الباطل ولا في سلوكه مسلك الرذيلة لأن ذلك أمر لا تتجلى فيه ارادة الإنسان، والانسان بارادته وايمانه. ولذا فقيمته مرتبطة أيّما ارتباط بحمل نفسه على تجنب الباطل والرذيلة وبالتالى على السلوك مسلك الفضلاء.
* * *
فإذا أضيف إلى طبيعة الباطل والى طبيعة الرزيلة عامل الترويج عن طريق أولئكم الذين اندفعوا في تأييدهما ولم يستطيعوا التخلص منهما، أو بالاحرى ألفوا اتباعهما- كان ذلك من أسباب انتشارهما. وكان انتشارهما بخطوات فسيحة، وفي مجالات متعددة.
وإذا أضيف إلى هذا وذاك اكتفاء أصحاب الفضيلة باتباع الفضيلة دون دعوة إليها، والعمل في دائرة الحق دون لاعلان عنه - تضاعف تيار الرذيلة