/ صفحة 176/
وليس الإنسان العادى هو الذي لم يتثقف في مدرسة، وإنّما هو كل من لم يستطع أن يتصور من الوجود الا صفحته الظاهرة، أو ذلك الذي لم يؤمن الا بما يعود عليه من نفع مادى خاص به. فالامى، ونصف المثقف، والطفل في تطور طفولته الاولى والثانية سواه: في أنهم يظاهرون المادة ويتبعون المظاهر الخادعة في الحياة.
ولهذا نجد أعوان الباطل كثيرين، ونجد كذلك المستهزئين بالقيم العليا وبالفضيلة أكثر من أولئكم الذين يتعشقون الفضيلة لذاتها ويدعون إليها، لايمانهم بوجودها، ويرتكبون في سبيل التمسك بها الصعاب. وأكثرها صعاب نفسية.
الرذيلة لا تحتاج إلى دعوة والباطل لا يحتاج إلى داع،بل هما يقتحمان على الناس سمعهم وبصرهم وبقية مداركهم الحسية، والمتبعون لهما لذلك لايلقون عنتاً في اتباعهما، وإنّما يدفعون دفعاً إلى السير في طريقهما بدافع غرزى.
فإذا كانت للناس ارادة ففى مخالفتهما فقط، وإذا كان لهم ايمان فللحيلولة بينهما وبين أن يسيطرا على نفوسهم سيطرة تامة.
أما الحق، وأما الفضيلة فهما في حاجة إلى دعوة وإلى داع. وحاجتهما إلى الدعوة وإلى الداعى ليس لانهما لا يطفوان في الوجود فقط، بل لأن قوة جذب المحسوس للانسان - كما ذكرنا - عنيفة بحيث لايتخلف عن الوقوع في دائرته الا من قوى ايمانه، أو اكتمل نضوجه الإنساني في التفكير والسلوك.
* * *
ورسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عند ما دعا قومه إلى الحق ودعا الناس جميعاً إلى اتباعه وإلى اتباع الفضيلة لقى صعاباً جمة في سبيل دعوته هذه. لأن من دعاهم كانوا في ادراكهم وتصرفهم أشبه بالطفل في ادراكه وتصرفاته، ولو أنهم كانوا غير واقعين تحت تأثير التقاليد القائمة بينهم، والعادات المنتشره فيهم - وهي تقاليد وعادات تنم عن بعدهم بعداً شديداً عن التطور في حياتهم الفكرية، وفي تصوراتهم