/ صفحة 118/
وليلة تنبرى إليها من مختلف البلاد - لا فرق بين عدوة لها وصديقة - حاملة ملايين هذه ((الاكياس)) وإذا هي تتمكن بفضل هذا التعاون الإنساني من درء ما توقعت.
أليس هذا مثلا رائعاً لما يجديه التعاون الصادق على الإنسانية، علمتنا اياه المياه الجارفة، والرياح الهوج؟ فماذا على الإنسان لو جعل التعاون في سائر شئون الحياة منهجه ووسيلته لا فرق بين المادية منها والروحية؟
وإذا كان هذا من خير الامم كلها، بل من واجبها بمقتضى الرحم الإنسانية، فانه لنا معاشر المسلمين ألزم، وعلينا أوجب، حيث يدعونا إليه مع داعى الإنسانية داعى الاخوة في الايمان، والرغبة المشتركة في رفع راية القرآن.
ألا فليعلم المسلمون أنهم أمام كارثة عظمى ما زالوا منها في حرب ونضال منذ حلت بهم، هي كارثة الخلاف الذي جعلهم شيعا، وقطعهم في الأرض أمما، وقد تركهم رسولهم أمة واحدة، دينها واحد. وكتابها واحد، وشعارها واحد، إنها كارثة قد أضعفتهم، وأطمعت فيهم، ولن تزال بهم أفاعيلها وسمومها حتى ترديهم وتأتى عليهم، لا قدر الله، أفلا يتعاونون على درء شرها، واطفاء نارها لعل الله أن يبوئهم في هذه الدنيا حسنة كما بوأ آباءهم الاولين.
* * *
ووجدنا البلاد التي أصيبت في هذه المحن على شدتها وما أتت عليه من مال وبنين; لم تيأس ولم تستسلم للحزن والضعف، بل نفضت عنها غبارها، وعادت سواعد أبنائها تشيد ما انهدم، وتعمر ما خرب، وتصلح ما فسد، وقام أبرارها وأهل الخير فيها باقالة العثار، وتعويض الخسار، وجبر الكسار، وتلك أمارة الحياة، وعلامة القوة، فانه لا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة.
وان لنا في ذلك لعبرة، فما ينبغى أن يكون فينا من يدركه اليأس من صلاح أمتنا، أو يقعده الحزن على سوء حالها، عن الجهاد في سبيلها، أو يخذّل العاملين على انقادها من وهدة التفرق، وحمأة التقطع.
((اعلموا أن الله يحيى الأرض بعد موتها، قد بينا لكم الايات لعلكم تعقلون)) .