/ صفحة 101/
إذ تلتقى أهداف هذه العناصر كلها عند نقطة واحدة، هي تحقيق السلام والاخوة والحرية، والاستقلال في ظلال الايمان بالله رب العالمين، أي أن العوامل التي انتجت في أوربا فكرة فصل الدين عن السياسة، لا وجود لها عند المسلمين، بل الموجود عكسها تماما عوامل حافزة ودافعة إلى غاية واحدة مشتركة بينهما تحقق السعادة للجميع; ولهذا لن تتحقق فكرة فصل الدين عن السياسة في الشرق، كما نجحت في الغرب.فالاسلام شريعة عامة تسعف البشرية بالعلاج الناجع من كل أدوائها، في السياسة والاجتماع والاقتصاد والاخلاق، وهو خير منظم لحياة حرة فاضلة، لأنه يقرر الحرية والاخوة والمساواة في كل شيء، وهو بذلك يغاير المسيحية التي لم تسعف طلاب النهضة بما يريدون، وإذا قدّر للشرق الحديث ان ينهض من كبوته فلن يكون ذلك الا عن طريق الإسلام وإذا كانت النهضة الاوربية قد استمدت كثيرا من التشريعات الإسلامية، فإن الشرق في نهضته لا يمكن أن يغفل تعاليم الإسلام.
والشرقيون روحانيون منذ فجر الحياة، ومهما أسرفوا في ماديتهم، فلن تتمكن ماديتهم من اقتلاع الروحانية المتأصلة فيهم، ولعل ذلك هو سر سخرية الشرقيين - حتى غير المعتصمين بالدين تماما - من كل دعوة الحادية تظهر في محيطهم، كما أننا نجدهم يهملون كل دعوة إلى الحط من أقدار علمائهم ومعاهدهم الإسلامية; والمتتبع لحركات النهوض في بلاد المسلمين، يجد أنها قد اعتمدت على الدين ومبادئه، كما يجد علماء الإسلام يتزعمون معظهما، أو يناصرون زعماءها.
والذي نيرد معرفته بالحاح، أن يدلنا انسان على حركة تحريرية أو قومية في بلاد المسلمين تخلف عنها علماء الإسلام، وطلاب معاهده، أو قاوموها، وساعدوا خصومها كما كان يفعل رجال الكنيسة البابوية في روما; وعندئذ يكون لنا كلام آخر نواجه به تلك الفكرة الملحدة!! وهل يستطيع منصف أن ينسى أثر السيد جمال الدين والشيخ محمد عبده في النهضات الإسلامية؟ واذن، فالاسلام