/ صفحة 98 /
من الآلهة السماوية، ومما يبثه القساوسة في قلوب الناس من الخوف من تلك الآلهة، وجاءت فتونهم وأشعارهم خير شاهد على تحررهم من ذلك الخوف الذي تملك جيرانهم.
وأيد كراهية للفرس للوثنية كثير من كتاب الاغريق، وفي مقدمة هؤلاء المؤرخ هيرودوث حيث قال: "ولم يألف الفرس أن يقيموا لأنفسهم تماثيل أو معابد أو مذابح، وهم يتهمون من يفعل ذلك بالهوس والجنون، لأنهم لا يتصورون أن تكون للآلهة طبيعة مثل طبيعة البشر كما يعتقد الاغريق".
ولابتعاد الفرس عن عبادة الاصنام وكراهيتهم لها دلالات أُخرى، إذ الحق أن مستنيرى الفرس وعامتهم على السواء، كانوا ـ إلى ما قبل المسيحية ـ على درجة كبيرة من السمو الروحي، ساعدتهم على ادراك فكرة الاله الواحد الموجود، الغائب عن الانظار، وهي الفكرة التي تناقض فكرة "الحلول" التي تعتبر أساس العقائد عند الشعوب البدائية.
وأكثر العقائد ذيوعا بين الفرس هي المانوية التي انتشرت في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، بدرجة هددت كلا من الزرادشتية والمسيحية لولا أنها حوربت بشدة منهما.
أما الزرادشتية ـ وهي أقدم الديانات الفارسية وأهمها ـ فيمكن تتبع آثارها في المراحل الأولى من التاريخ الفارسي، وهي تتركز حول عبادة مثرا (اله النور) واعتباره مصدر أهورا مزدا الاله الواحد الخالق. وهذه العلاقة تشبه إلى حد ما العلاقة بين الاب والابن (الرب والمسيح)، ويكون مثرا هو الاله الوحيد الذي يمنح عباده الرحمة والخلاص. وفي العهد الروماني كان مثرا مرموزا إليه بالشمس والضوء واعتبر الاله المنقذ والاله الخصيم للكذب والخطيئة.
وأصبحت عبادة مثرا أواخر القرن الثاني الميلادي، ديناً رسمياً للامبراطورية الرومانية، وذلك على عهد الامبراطور أورليوس، وكادت تصبح ديناً عاليما في القرن الثالث الميلادي، واستمرت مدة طويلة مصدر خطر على المسيحية،