/ صفحة 91 /
الديمقراطية السياسة، وقد نسمع من بين صفوف المسلمين أيضاً من ينادى بأن الشيوعية هي نظام الإسلام السياسي، وكذلك سمعنا عند ما اشتد ساعد النظام الفاشي من يقول: بل ان الوطنية الاشتراكية أو الفاشية هي النظام الياسي الذي يدعو إليه الإسلام. وكل هذه الصيحات والآراء إذا فحصناها فحصاً دقيقاً يتبين لنا بعدها عن الحقيقة، وجهل القائلين بها بحقيقة النظم السياسية التي شرعها الإسلام.
والحقيقة التي يجهلها الكثيرون ممن يشبهون نظم الإسلام السياسية بالنظم الاوروبية هي أن شريعة الإسلام لا تنفصل عن عقيدته، وهذا هو السر في المقاومة العنيفة التي لقيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند شروعه في دعوته، فلو أن الجاهلين فهموا أن دعوته قاصرة على التسليم بوجود اله واحد هو خالق الكون، لما قاوموه، ولما فكروا في القضاء عليه، ولكنهم أدركوا أنه يدعو في الواقع إلى تنظيم جديد للحياة الإنسانية يقضى على ما كان يتمتع به الانانيون من الاثرياء وأصحاب السلطان من مزايا على حساب الكثرة من مواطنيهم.
كان النبي يدعو إلى أن يعترف الناس بأن الخالق الذي لا يشركون في وجوده هو الاله وهو الرب: هو الاله أي المستحق للعبادة، وهو الذي تأتى الشريعة والقوانين من عنده وحده دون سواه، وهو الرب أي الحافظ الرازق من جهة أُخرى.
وإذا انتبهنا إلى معنى الالوهية ومعنى الربوبية، وبحثنا عمن يجرؤ على أن ينازع الخالق في هاتين الصفتين، فاننا لا نجد الا الإنسان نفسه. لان الإنسان يحب العظمة ويحب أن يستغل أمثاله ويطغى عليهم، ويتخذ منهم وسائل لتحقيق شهواته ومطامعه التي لا تنتهى، وان ما يجده من لذة من وضع نفسه بين الناس موضع الاله لهو أكبر لذة وصل إليها الخيال.
والذي أوتى شيئا من القوة أو الغنى أو الحذق أو بعد النظر أو أي ميزة أُخرى يستطيع أن يتوفق بها على أقرانه، يشعر بميل قوى لتخطى حدوده الطبيعية