/ صفحة 75 /
لنفسه" وكان من أعظم ما امتدح القرآن به الرسول عليه الصلاة والسلام قوله: "وانك لعلى خلق عظيم".
والاتجاه (الأخلاقي) للمعاملات الإسلامية، هو قصد تحقيق الخير للجميع، وقصد رفع الضرر عن الجميع، والإيثار لا الأثرة، ومصلحة الجماعة قبل مصلحة الفرد، ويمتاز الإسلام هنا بأنه حدد مفهوم الخير والشر، ورتب أجزية على فعلهما، تحمل العاقل على الاتجاه الخير، وتصرفه صرفا عن الاتجاه السىء، ففي القرآن أخلاق هي دين لازم، ان استسغنا أن نسميها (مذهبا) فهو مذهب الإسلام في الأخلاق، أو الاتجاه الأخلاقي في القرآن! فهل يستساغ بعد هذا أن يقول قائل: ليس للإسلام مذهب أخلاقي، وأن القرآن لا يقيم مذهبا أخلاقيا؟ فأي غموض تراه يا صاحبي في الإسلام؟
قال صاحبي: اذن فلماذا يختلف المختلفون حول مبادىء الإسلام؟
فقلت له: جرت عادة التشريع السماوي أن يكون عاما كليا ليضمن مسايرة الزمن، وتطور الشعوب ماديا وعقليا، وليكون فيه مرونة يواجه بها مصالح الناس التي تجد في العصور والامكنة المختلفة، ولما كان الإسلام هو نهاية الشوط في التشريع السماوي، وآخر شرع أنزله الله لمواجهة التطور الإنساني بصفة عامة، فانك تلاحظ ذلك المعنى فيه واضحا غاية الوضوح، وقد يشرع الإسلام لجزئية هي عادة إنسانية لا تتخلف، أو هي حاجة إنسانية لا يخلو منها مجتمع إنساني، فتأخذ بذلك صفة العموم والكلية، أما الجزئيات التي تختلف باختلاف الزمان، والمكان، والتطور الإنساني العام، فقد وكلها الإسلام إلى الأُمة تنزلها في منازلها من الكليات المرسومة، وهي مناط الاجتهاد عند علماء الأُمة، ومن العسير أن تحمل على الاتفاق عقولا متفاوتة في أزمنة وأمكنة ومجتمعات مختلفة، لها حاجات وأعراف وعادات متفاوتة، ومن هنا جاءت سعة الأفق في التشريع، وقام الخصب في الفقه الإسلامي مقام العوز في التشريعات غير الإسلامية، ولم يشأ الإسلام حمل أتباعه على منهج خاص في جزئيات متغيرة، ولم يشترء في مواجهتها سوى عدم