/ صفحة 431/
وعلى ضوء هذه النظرية، نستطيع أن نعرف جيداً السر الباعث لتخليد قضية الحسين (عليه السلام)، وانتشار مبادئه ـ التي هي مبادئ جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبقائها طيلة القرون المتعاقبة، وتقدم خطاها المتواصل في الحياة، واتساع نطاق المؤمنين بها من دون أن تؤازرها جمعيات خاصة، وتتولاها دول، فتوعز لشخصيات مأجورة للدعاوة والترويج، بل كثيراً ما كانت السياسة تتوخى ضد هذه المبادئ وهي لم تبرح ـ كما تراها اليوم ـ محلقة وحدها في سماء الخلود، خافقة عليها ألوية النصر والنجاح، ذلك لأن الصراع العنيف الواقع بين الحسين بن علي (عليه السلام) ويزيد بن معاوية، لم يكن صراعاً شخصياً، ولا نزاعاً فرديا، ولكنه كان صراعا محتدماً بين مبدأين متبايتين، وفكرتين متضادتين، ذلك أن يزيد أوشك أن يهدم ما بناه الإسلام، وأجهد النبي نفسه في تحقيقه وإحكامه في سائر أقطار العالم.
والحسين في مثل هذا الظرف العصيب رأى أن ناموس الفضيلة يكاد يندرس، ومعالم الإسلام توشك ان تنطمس، وتعود الهمجية الجاهلية العمياء.
في مثل هذا الجو المثقل بالإجرام والموبقات والمفعم بالآثام والرذائل نهض الحسين نهضته المباركة التطهيرية منكراً على يزيد أفعاله الفظيعة، نهض والإيمان ملء قلبه من أن النصر حليفه، والظفر محقق لديه، والفتح محتمٌ له، وإليك أنموذجا من رسائله يتكفل بصدق هذه الدعوى:
فقد كتب لبني هاشم ـ في أثناء مسيره لمكة المكرمة ـ (أما بعد فمن لحق بي منكم فقد استشهد ومن تخلف لم يبلغ الفتح والسلام).
هذه الرسالة تعرب عن أن حركة الحسين (عليه السلام) التطهيرية لانطلاق فجر اليقظة التحريرية كانت للفتح المحتم، وقمع جذور الفساد، وفي سبيل تكوين العقيدة وتركيز المبادئ، لا طلبا لملك أو عرش أو تاج.
فإن الحسين (عليه السلام) وإن صودم من قِبَل يزيد بقوات هائلة أردته صريعاً غير أنه استطاع أن يكون بقتله قوى جبارة تحطم مبادئ يزيد، وتقضي عليها