/ صفحة 429/
ـ مع كونه زينة الحياة وزهرتها ـ في مرتبة أدنى، ومكان أحط، وإنما الشأن كل الشأن في الإيمان والعمل الصالح (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا) (والله عنده حسن الثواب) (وللآخرة خير لك من الأولى) ويطيل القرآن في هذا المعنى، ثم ينتهي إلى أن يضع الناس أمام هذا الاختيار الشديد على النفوس (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره، والله لا يهدي القوم الفاسقين).
يقول الزمخشري ـ رحمة الله ـ عقب هذه الآية: (وهذه آية شديدة، لا نرى أشد منها، كأنها تنعي على الناس ما هم عليه من رخاوة عقدة الدين، واضطراب حبل اليقين فلينصف أورع الناس وأتقاهم من نفسه هل يجد عنده من التصلب في ذات الله والثبات على دين الله ما يستحب له دينه على الآباء والأبناء والإخوان والعشائر والمال والمساكن وجميع حظوظ الدنيا ويتجرد منها لأجله، أم يزوي الله عنه أحقر شئ منها لمصلحته فلا يدري أي طرفيه أطول، ويغويه الشيطان عن أجل حظ من حظوظ الدين فلا يبالي كأنما وقع على أنفه ذباب فطيره؟).
وقد اعتبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا الشعور بحب الله، وتفضيله على ما سواه دليلا على أن الإنسان وجد حلاوة الإيمان، وتمكنت في نفسه لذته، وهذا أمر معنوي لا يمكن وصفه، وإنما يشعر به المخلصون، وفي ذلك يقول الرسول الكريم: ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
إن أولئك المخادعين الذين يوهمون الناس أنهم لا يحبون المال، لا صلة بينهم وبين الصدق، فالحق الذي لا مرية فيه أن حب المال طبيعة في النفوس، وأن إنسانا يدعي أنه لا يحب المال كاذب أو منافق، ولذلك كان بعض الأقدمين يقول: من زعم أنه لا يحب المال فهو عندي كاذب حتى يثبت صدقه، فإذا ثبت صدقه، فهو عندي أحمق.