/ صفحة 427/
من معان متهافتة عجيبة، فهم وكثير من أمثالهم يعتقدون أن هذا الغني الذي منحوه إنما كان لأنهم له أهل، ولأن الله يؤثرهم على الآخرين من عباده، بل يمضي بهم الحمق إلى أبعد الغايات فيعتقدون أن هذا التفضيل في الدنيا مؤذن بتفضيل مثله في الآخرة، وأنهم كما كانوا منعمين في الدنيا بالأموال محبة من الله لهم سينعمون في الآخرة بالجنة للسبب ذاته (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط، ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي أن لي عنده للحسنى). (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا، وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا) (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين) ويمضي القرآن الكريم كذلك على عادته في بساطة وهدوء فيردهم إلى الصواب، ويبين لهم أن الرزق فضل من الله يقسمه كما يشاء على حسب ما يراه من المصالح، فربما وسع على العصاة، وضيق على المطيعين، وإنما مدار الرحمة على الإيمان والعمل الصالح، ولن يقرب المال إلى الله أحداً، إلا إذا أنفق في سبيل الخير، (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون، وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عند زلفي إلا من آمن وعمل صالحاً فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون).
ويتضح لنا من بعض الآيات السابقة ومن آيات أخر تشبهها أن كثيراً من الأغنياء يطغيهم الغني، فيغفلهم عن حقائق الكون، فيظنون أن الدهر لن يصيبهم إلا بما شاءوا، وأن الفقر لن يعرف أين هم، وهذا مشاهد ملموس، وكلام لا يزال يتردد على الأفواه، وهو منطق قديم، فصاحب الجنة الذي ضرب الله به المثل في سورة الكهف يقول ـ كما حكى عنه القرآن: (وما أظن أن تبيد هذه ابداً) وأصحاب الجنة الذين ذكر الله قصتهم في سورة القلم كانوا على أتم الثقة من أنهم سيجنون ثمار جنتهم حتى أقسموا على ذلك دون أن يخطر ببالهم أن يرجعوا الأمر إلى الله (إذ أقسموا ليصر منها مصبحين، ولا يستثنون، فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون، فأصبحت كالصريم).