/ صفحة 426/
أو أهانتهم، ولقد زل عنهم أن التقدم في الدنيا لا يقرب أحداً من الله وإنما يبعده، ولا يرفعه بل يضعه، فضلا أن يجعله سبباً في الاختيار للنبوة والتأهيل لها.
(وموسى) (عليه السلام) يرسل إلى فرعون ومثله فيلقي آذانا صما، وقلوبا غلفا، ويرتكب فرعون حماقته الكبرى ـ كما يحكي عنه القرآن الكريم ـ (ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي؟ أفلا تبصرون، أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين، فلو لا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين).
فإذا عبرنا التاريخ إلى الملأ من كفار مكة وجدناهم يعجبون أشد العجب لأن الرسالة لم تكن في رجل من أغنيائهم: (وقالوا لو لا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) يعنون الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي، وكان الوليد يقول لو كان حقاً ما يقول محمد لنزل القرآن علي أو على أبي مسعود الثقفي، ومناط العظمة عندهم وعنده الرياسة والغنى، وقد رد عليهم القرآن رداً هادئاً قوياً فسفه أحلامهم، وعجب من جهلهم، فالرسالة رحمة، والله أعلم حيث يجعل رسالته، وليس من شأنهم ـ ولا في مقدورهم ـ أن يتحكموا في رحمة الله (أهم يقسمون رحمة ربك؟!) ولكن هذه ليست أولى جهالاتهم وليست آخرها، فكم لهم مثلها من جهالات (وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لو لا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً أو يلقي إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحوراً انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطعون سبيلا، تبارك الذي إن شاء جعل لك خيرا من جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورا) فهم يعجبون من أن الرسول يتردد في الأسواق لطلب المعاش، كأن الرسالة عندهم ملك، ثم يعجبون من أنه رسول فقير لا كنز معه من السماء ولا بستان يأكل منه، ولكن الرسالة ليست ملكا، ولكن الرسل السابقين لم يكونوا ملوكا ولا ملائكة (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق).
ويعرض القرآن لمنطق آخر عجيب هؤلاء الأغنياء يصور ما تجيش به نفوسهم