/ صفحة 424/
الحياة فيها ما يطفو فيتعلق به أصحاب الحس المادي، وهم الأطفال في سن الطفولة الأولى، أو في سن الرشد الإنساني العادي. وفيها ما وراء ذلك فيسعى إليه من عرف الوجود في ظاهره وباطنه، وأراد أن يجنب نفسه ما فيه من صعاب. وهذه الصعاب على كثرتها ترجع إلى الخداع.
إن الحكيم في تصرفاته هو أقل الناس ظهوراً عادة في المجتمع الإنساني، ولكنه أكثرهم خلوداً في تاريخ الإنسانية. لأن ما فيه من قوة الكفاح لم يخضعه لهواه، ولأن ما فيه من عقل ورشد لم يغفل أمره واعتباره.
وإن شأن متبع الهوى في سلوكه يقترب من ذلك الذي يسلب غيره ما في يده، لأن كليهما يفكر في ذات نفسه، ولا يعترف بوجود غيره، وإن الذي يستخدم الدين أو القانون في تحقيق آماله الشخصية يقترب من ذلك الذي يجحد قيمتهما. وكلاهما غير مسدد الرأي ولا متبصر العاقبة.
الحياة ليست مادة فقط تغري قصير النظر، ولكن وراء هذه المادة فيها مثلا باقية. وهي تلك التي يكون عن طريقها الوصول إلى الله. والناس من أجل هذه الحقيقة يتنوعون إلى نوعين: نوع يخضع بطبعه إلى إغراء المادة فيتبع هواه ويعتز به بدلا عن الله، ونوع آخر يميل بطعبه أيضا إلى المثل الباقيات، وإن بقي في زوايا النسيان واستمر مغموراً في الحياة.
ولهذا كان الوجود كله عبارة عن: العالم والله.