/ صفحة 388/
الإجراءات الشكلية المتبعة اليوم في اجتماع كهذا، ليصح القول فيه إنه لم يكن انتخابا ديمقراطيا. لا، فإن الإجراءات مما يختلف بين قوم وقوم، وبين عصر وعصر، وحسْبُ الواقعة الانتخابية لتكون ديمقراطية: أن تسير في جو مشبع بالحرية يتسنى فيه لصوت المعارضة أن يطلق، فيعبر عن نفسه بلا معوق من خوف أو فزع أو إغراء. وقد كان صوت المعارضة يوم السقيفة ـ كما رأينا ـ قوياً مجلجلا لا يجرؤ أحد أن يخنقه أو يعوقه، كأقوى ما تكون المعارضة.
إن تاريخ المعارضة في العالم، يدل على أن هذه المعارضة قد أصيبت في كثير من بلاد الديمقراطية بالمعوقات والخنق على تنازت يتسق ومقدار وعي الشعوب وحبها للحرية. وما يزال في أكثر بلاد العالم ديمقراطية، يجري فيها تعويق المعارضة عن طريق الغش وإفساد الضمائر بالمال وغيره. وهذه الطرائق ليست في الحقيقة أقل شراً من الطرائق الأُخرى التي تعتمد على الضغط والإرهاب. أما انتخاب يوم السقيفة فلم يعرف تعويق المعارضة بلون من الألوان.
نخلص من كل ذلك للقول، بأنه قد ثبت ثبوتا قاطعاً، أن للإسلام نظرية سياسية واضحة المعالم، هي الحكم الشورى المنطوي على حق الترشيح وحق الانتخاب وحق المعارضة، وقد عرفها المسلمون وطبقوها في صدر دولتهم، تنفيذاً للقاعدة الدستورية الواردة في الآية الثامنة الثلاثين من سورة الشورى القائلة: (وأمرهم شورى بينهم) (1)
ومن الجدير بالذكر، أن نلاحظ أن نظرية الحكم هذه، قد أفرغت في قالب يعبر عن حالة واقعية تسود الحياة العربية أكثر مما يعبر عن مبدأ جديد، انظر إلى هذه القاعدة الدستورية: (وأمرهم شورى بينهم) تجد أنها وإن انطوت على
ــــــــــ
من المستغرب أن يقول الدكتور حسن ابراهيم أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة فؤاد الأول في كتابه (النظم الإسلامية) ان القرآن ـ في الواقع ـ لم يشر إلى نظام الحكم الذي يصح أن يتبعه المسلمون بعد النبي (النظم الإسلامية. ص23 الطبعة الأولى سنة 1939).