/ صفحة 377/
ثم يستدرك على قوله هذا، بأن التوفيق الذي صادف أبابكر وعمر وجعل لحكومتهما تأريخاً مفرداً مجيداً، لا ينهض دليلا مناقضاً لرأيه في فساد الحكومة الدينية، لأن هذا الطراز الرفيع من الحكم ـ فضلا عن ندرته ـ يعتمد على الكفاية الشخصية، والكمال الذاتي اللذين كان يتمتع بهما رؤساء تلك الحكومات (ص 166 ـ 167).
ويتجلى مذهب المؤلف صريحاً واضحاً في قوله متسائلا: أنخرج الدين بالدولة فنفقد الدولة ونفقد الدين، أم يعمل كل منهما في ميدانه فنربحهما معاً، ونربح أنفسنا ومستقبلنا؟ (ص 159) أي أن نذهب إلى الفصل بين الدين والدولة تماما على نحو ما حدث في أوربا سنة 1905، عند ما وضع الفرنسيون حداً لتدخل رجال الكنيسة في توجيه الدولة، وأمروا كنيستهم أن تعلق أبوابها على الكهنوت ورجال الاكليروس، وأن تعمل لوحدها روحياً فقط.
والثاني كتيب ظهر في الهند، وعنوانه: (نظرية الإسلام السياسية) للأستاذ أبو الأعلى مودودي، وفي الأصل كان خطابا ألفاه المؤلف في مسجد شاه تشيراغ بمدينة لاهور بالبنجاب في شهر تشرين الأول سنة 1939، قال في مستهله: كثيراً ما سمعنا في الأندية السياسية والعلمية قولهم: (الإسلام نظام جمهوري) وهذه الكلمة ما تزال تعاد وتكرر منذ أواخر القرن الماضي، وفلما يكون بين الذين يلهجون بها من درس الإسلام دراسة علمية، واجتهد أن يتفطن إلى أوضاعه السياسية، ثم نسمع في الأوساط الأقل شأنا من تدفعه سذاجته لأن يرى في الإسلام صورة لكل ما يروج في أسواق العالم من مذاهب، فإنه لما راجت في الناس الشيوعية رواجها، قام من ينادي بأن ليست الشيوعية إلا طبعة جديدة للإسلام، وحينما استفحل شأن الدكتاتورية أخذوا بصيحون بأن نظام الإسلام الاجتماعي كله قائم على الدكتاتورية (ص 3 ـ 4 الطبعة العربية الثانية) ثم ينتهي من هذا الاستهلال ليقول: إن الحاجة ماسة الآن للكشف عن وجه (نظرية الإسلام السياسية) رجاء أن ينقشع هذا الظلام الفكري، وتلجم أفواه من أعلنوا سفهاً (أن الإسلام ما جاء للمجتمع الإنساني بنظام اجتماعي ولا سياسي أصلا).