/ صفحة 370/
كان هذا الشيخ العظيم مشهوراً بالتقوى ورسوخ الإيمان، فاجتهاده هذا أقوى برهان على أن الإنسان يمكنه أن يكون ذا عقيدة ثابتة، وعقل نير في آن واحد، وأن العقيدة مهما بلغت من القوة والرسوخ فمن الممكن أن تبقى ضمن حدودها وصلاحيتها، لا تطغى على العقل في شيء، بل تدعه وشأنه يتكلم طغته الطبيعية.
وقبل أن أدع الكلام، أقدم للقارئ صورة أسلوب الشيعة الإمامية بوجه عام في استخراج الأحكام الشرعية وتفهمهم لروح الإسلام، وشريعته السمحة.
شهادة أرباب الصنائع:
قال بعض الفقهاء من غير الشيعة (1): إن أرباب الصنائع الدنيئة لا تقبل شهادتهم، وجاء في كتاب الجواهر والمسالك وغيرهما من كتب الفقه الشيعة: إن أرباب الصنائع تقبل شهادتهم، مهما كان نوع الصنعة، لقوله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) والصنعة لا تتنافي مع التقوى، ولا مع المروءة، خاصة لمن يتخذها مهنة دائمة، وإن المجتمع في حاجة إلى الصنائع، ولو تركت لاختل النظام، وعم الضرر. أجل إن الشيعة لا يقبلون شهادة من يسأل الناس، لأن السؤال يتنافي مع المروءة وعزة النفس التي أمر بها الدين، وقال الشهيد الثاني في المسلك: الطفيلي بحكم السائل لا تقبل شهادته.
ومتى فهم المسلمون الشريعة على هذا الأساس، أساس التحرر من تقاليد البيت والمدرسة، وعدم طغيان العقيدة على العقل، أساس المساواة والأخوة في الإنسانية المطلقة، لا في التقاليد الموروثة، ولا البيئة المحدودة، ولا الصنعة والاحتراف متى فهم قادة الدين الإسلام على هذا الأساس يكون الإسلام دين الحياة بحق يقهر كل متمرد، ويفحم كل جاحد، وإلا فإن النتيجة هي ما انتهينا إليه الآن، وما يشكو منه الشيوخ والرهبان.
______________________________
(1) كتاب المغني لا بن قدامة ج9ص169، الطبعة الثالثة.