/ صفحة 367/
ونحن إذا أردنا معرفة أن هذا المذهب على حق في أسلوبه واستخراج الحكم من مصدره دون سائر المذاهب، فعلينا أن نلاحظ جميع الأقوال المتضاربة حول الحكم، وندرسها بطريقة حيادية، بصرف النظر عن كل قائل وعن منزلته العلمية والدينية، ثم نحكم بما يؤدي إليه الأصل والمنطق على نحو لو اطلع معه أجنبي على حكمنا لاقتنع بأنه نتيجة حتمية للأصل المقرر، وبهذا نكون من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
أما من يطلع على قول مذهب من المذاهب، ويؤمن به ويتعصب له، لا لشيء إلا لأنه مذهب آبائه، ويحكم على سائر المذاهب بأنها بدعة وضلالة فهو مصداق الآية الكريمة (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألقينا عليه آباءنا، أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون).
وأي فرق بين رجل أفتى العمر في حفظ معتقدات أبيه ودرسها، لا يتجاوزها قيد أنملة، ورجل لم يقرأ، ولم يكتب، ولم يدرس شيئا، ولكن تكونت له من بيته وبيئته عادات ومعتقدات؟ أي فرق بين الرجلين حتى يقال: ذاك عالم، وهذا جاهل؟!.
ليس العالم من وثق برأيه ومعتقد آبائه، كانت له المقدرة التامة على المحاورة والمداورة، وإنما العالم من فصل الواقع عن ذاته وعاطفته، وفكر تفكيراً حراً مطلقا، لم يتعصب لرأي على رأي، بل يقف من كل قول موقف الشك والتساؤل، وإن كثر به القائلون، وآمن به الأقدمون.
إن احترام العالم يقاس باحترامه للحقيقة، فهي ضالته الحقيقية أينما وجدت.
لقد أثبتت التجارب أن الاختصاص بعلم من العلوم يحتاج إلى ثقافة عامة، ومعرفة نظريات ومبادئ علوم شتى، فكيف يكون الإنسان متخصصاً بعلم، وهو لا يعرف عنه إلا قول عالم يخالفه فيه كثير من العلماء؟ وأستطيع التوكيد أن من الأجانب من يعرف عن الإسلام وتاريخه وشريته ورجاله وعقائدهم ما لم يعرفه كثير من متخرجي الأزهر والنجف، وإنه لغريب أن تقوم جامعتان،