/ صفحة 364/
مما ينافي رأى الآخرين في الصحابة، الذين يرون كل ذلك من دس الدساسين ووضع الواضعين، فإذا جرى البحث فيما يحذف وفيما يبقى بين هؤلاء وهؤلاء، فعلى أي أساس يكون ذلك، ومن الذي يؤخذ برأيه، ومن الذي يهمل؟ أم نحذف هذا وذاك مضافا إليه ما لا يتمشى ومذاهب أصحاب المعارف الكلامية، وما لا يقره الطب الحديث بشأن الصوم أو ما وصل إلى خلافه علماء الفلك، أو لا يتفق مع الذوق!! ولو اقتحم هذا الميدان اثنان أو ثلاثة فلن يبقى لنا بفضلهم من هذا التراث شيء.
ونحن إذا نظرنا إلى الحديث من ناحية القداسة الدينية، وأنه كلام فوق كلام البشر، فليس لنا أن نقيسه بالمقاييس العادية، أو نحكم عليه بعقولنا البشرية المحدودة، وإذا نظرنا إليه نظرة عادية فليس لنا حق التصرف فيه، فالكلام العادي قد يتفق مع بعض الأمزجة ويختلف مع بعضها الآخر، فواجبنا إذن أن نبقى عليه، مع ملاحظة أن من سبقونا غربلوا ما وصل إليهم، وسجلوا ما ثبت عندهم، وإن كان يخالف مذهبهم، حفظا لهذا التراث واحتراما لقداسته، وبلغ الحرص ببعضهم أن جمعوا ما نقله رواة اشتهر عنهم الكذب في كتب خاصة، وذكروا أنهم لم يأخذوا بها، ورغم ذلك جمعوها لئلا تضيع فقد يصدق الكاذب أحيانا في حديثه ويكون هذا الذي رواه صادقا فيه.
وقد يكون للأحاديث المكذوبة أو المعلولة فوائد أُخرى في غير الأحكام الشرعية، كأن يستدل بها بعض الباحثين على شيوع فكرة معينة في وقت الراوي الذي رويت عنه، أو على تأثر هذا الراوي بثقافة خاصة، أو على غير ذلك، فليس الاستدلال بالأحاديث مقصوراً على استنباط الأحكام الشرعية منها، ولذلك يرى بعض اللغويين أن يستشهد بنصوص الأحاديث الموضوعة في اللغة، إذا عُلم أن تاريخ وضعها يرجع على العهد الذي يجوز الاستشهاد بكلام أهله، لأنها وإن كانت كذباً على الرسول في حكم شرعي، فإنها نص عربي.