/ صفحة 34 /
ونحن إذا ألقينا نظرة في هذه الآية، وأخذنا نتفهمها بالحس اللغوي، رأينا أن في التعبير (بصرفنا إليك) القصد المتوجه إلى الرسول بهذا الصرف في مثل هذه الحالة لتطييب خاطره، وتسلية نفسه المجاهدة، حتى تزداد اطمئنانا في جهادها وعزما في كفاحها.
وتعجبنى في هذا المقام لفتة لطيفة من الكاتب الأمريكي "ارفنج" في كتابه "حياة محمد" حيث يقول:
"هذه الزورة من الجن فيها عزاء ئ تسلية لمحمد بعد رجوعه من الطائف تلك الرجعة المؤلمة، إذا فيها إشارة له إلى أنه إذا كانت دعوته وتعاليمه قد نبذت ورفضت من معشر الأنس فقد قوبلت باحترام وإعجاب من الجن عالم الذكاء الغيبي غير المرئي" ثم وقعت له بعد رجوعه من الطائف حادثة الإسراء، ولا شك أن فيها ترفيهاً روحانيا، وسمواً نفسانيا، واتصالا ومشاهدات، وانسا ونفحات، وفي كل ذلك تسلية أي تسلية، وعزاء أي عزاء، وكأن في هذه الرحلة آ الخارقة رمزاً لرحلة أُخرى آتية ئ تهيئة لهجرة منتظرة منتظرة، فما رجع صلى الله عليه وآله وسلم من إسرائه، حتى أخذ يتجه اتجاها جديدا في نشر دعوته، إلى أن ختم هذا الاتجاه بالهجرة إلى المدينة. أرأيت كيف أن الله تعالى يتولى عباده المجاهدين وجنوده المصلحين بالرعاية، ويمنحهم ما يخفف من محنهم، وينسيهم ألم ابتلائهم، ويملأ قلوبهم بأمل النجاح، ونفوسهم بلذة الانتصار. روى البخاري في صحيحه عن خبَّاب بن الأرتّ، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة: قلنا يا رسول الله: ألا تستنصر لنا من الله عزوجل؟ قال عليه الصلاة والسلام: (كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه فيشق بائنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما يصده ذلك عن دينه. والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعا إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذنب على غنمه).