/ صفحة 33 /
وتارة يقص عليه من أحوال الأنبياء السابقين ليأنس بهم ويقتدي بصبرهم "فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم". "و كم أرسلنا من نبي في الأولين، وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزئون فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين". "و لقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جامك من نبأ المرسلين". فهذه الآيات تدل على أنه كلما شاء الله أن يكلف قوما من المؤمنين هداية قوم من الضالين المفسدين، ظهرت فئة تعارضهم بكل ما أوتيت من قوة، وتوقع بهم ألوان الاضطهاد والعذاب، وأن عليهم أن يتقلوا الإيذاء ويتحملوا العذاب، فإن ما يقعون فيه من البأساء والضراء هو في الحقيقة نعمة مستورة تساعد على اطراد تقدمهم الروحي حتى يكلل الله جهادهم بالنصر، ويختم كفاحهم بالفوز. لما عاد صلى الله عليه وآله وسلم من الطائف بعد أن لقي ما لقي من ثقيف وغلمانها واشتد كربه لإعراض الناس عنه، اتجه إلى الله العلى العظيم، لا ليعلن يأسه وقنوطه، فما له أن يقنط، وهو المطمئن على المستقبل،بل ليستمد من الله العون فنزل بنخلة وهو موضع على ليلة من مكة وقام في جوف الليل يصلى فصرف الله إليه سبعة من الجن، كما رواه الحاكم في المستدرك، فاستمعوا إليه وهو يقرأ سورة الجن - وقد كانت نزلت في استماعهم له في ابتداء الوحي فلم يشعربهم، ثم رجعوا إلى قومهم، فنزل عليه قوله تعالى: "و إذا صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن، فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين" إلى قوله تعالى: "و من لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين فعلم منها صلوات الله وسلامه عليه ذلك الأمر العجب، يقول (در منجم) في كتابه "حياة محمد":
ومادا يبغى النبي، بعد ذلك؟ والجن يؤمنون به حين ينكر الإنس رسالته، وماذا يبغى النبي، والجن الذين يعبدهم العرب على غير حق يسلمون، فياله من برهان دامغ للمشركين، وتقوية للروح المعنوية للرسول الأمين.