/ صفحة 325 /
مغزى تفرد الإسلام في كل تنظيماته بالعنصر الخلقي ـ كما قلت غير مرة في رسالة الإسلام ـ وهذا أيضاً هو معنى القول بأن النظام السياسي للإسلام يقوم على الشرع الذي جاء به الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وهو معنى القول بأن الحكم الإسلامي حكم ديني، يعني يستند إلى مقررات وضعها الخالق سبحانه ليدين بها الناس، ولم يضعها أحد من البشر، مثل المقررات التي يثور عليها الناس في شتى عصور التاريخ! وليس في ذلك ـ تسليط ولا شبه تسليط ـ لرجال الدين كما يفهم ذلك ـ بغير حق ـ بعض الناس: فالمسلمون جميعاً (رجال دين) وكلهم مدعو إلى الإيمان والمعرفة، وحق الفهم، والبحث والنظر يستوي فيه الجميع؛ وليس معنى ذلك أن حكم الإسلام يثوقراطي، كحكم البابا المسيحي المستند إلى حكم القديس بطرس الذي يعتمد على تفويض من الله في الحل والربط بين عباده. زعموا أن الله قال للقديس بطرس: (إن ما تحله في الأرض فأنا أحله في السماء وما تربطه في الأرض فأنا أربطه في السماء) فأعطاه بذلك سلطة الحل والربط في الأرض والسماء، يعني سلطة الأمر والنهي والتشريع وتوزيع أو تحديد الجزاء الأخروي، والبابا خليفته فله ما له، وهو يضفى من سلطانه على من دونه من رجال الأكليروس، وليس معنى ذلك أيضاً أن حكم الإسلام هيروقراطي. وهو أسوأ حكم عرضه التاريخ لرجال الكنيسة الرومانية في عصور الانحلال وهو ما يخيف الناس من كلمة (حكم ديني) هذا المعنى لا يعرفه الإسلام، وليس لأحد ـ ولو كان رسولاً ـ سلطة الحل والربط والتشريع في الأرض فضلاً عن السماء! وإنما ذلك الحل والربط والتشريع لله سبحانه، وهو واضح في الإسلام، له قواعده ومقرراته ونصوصه. التي يستوي في فهمها مجملاً ومفصلاً جميع الناس.
2 ـ الإسلام أول نظام سياسي واجتماعي عالمي. قرر وحدة الإنسانية، وعقد الأخوة بين بني الإنسان، ونظم وسائل الوصول إلى هذه الوحدة على أساس المحبة والأخوة، والتعاون والسلام؛ تنظيماً يضمن للمجتمع الإنساني الأمن والاستقرار، وقد أقام مقرراته في ذلك على العقيدة، على الإيمان بألوهية الله