/ صفحة 304 /
وجدنا آباءنا على أمة وإنا على أثارهم مقتدون، قال أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آبائكم؟ قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون).
يقول بعض الكاتبين معلقاً على هذه الآيات: (ولا غرابة في هذا؛ فالمترفون حريصون على حياتهم الرخوة الشاذة المريضة، حريصون على شهواتهم ولذائذهم، حريصون على أن تكون من حولهم حاشية وبطانة خاضعة لنفوذهم، والهدى والدين والإيمان يحرمهم الكثير مما يحرصون عليه، لذلك هم أعداء كل هدى وعرفان).
ويدعو الرسول الكريم أصحابه إلى الجهاد فيلبون، ولكن فريقاً من الأغنياء أصحاب السعة والطول يتخلفون (وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله أستأذنك أولو الطول منهم، وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين، رضوا بأن يكونوا مع الخوالف، وطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون).
وهذا التعبير من القرآن الكريم (رضوا بأن يكونوا مع الخوالف) فيه ما فيه من الزراية عليهم، والحط من شأنهم، ووصفهم بالضعف والتخاذل، وانحطاط الرجولة، فهم لا يجاهدون كما يجاهد الأصحاء من الرجال، ولا يعتذرون عذر المرضى والضعفاء منهم، ولكنهم يتخلفون من غير عذر، شأنهم شأن الخوالف من النساء، فما أهون شأنهم، وما أصغر أمرهم!
ولم يزل هذا الخلق في الأغنياء ـ كما كان منذ بدء الخليقة ـ ينكلون عن الجُلى، ويجبنون عن اقتحام أي معترك، تشبثاً بأذيال المال، وحرصاً على نعيم الحياة، ولم يعرف تاريخ الكفاح في الشعوب إلا أولئك الذين لم تغمرهم النعم، ولم يخدر الترف أعصابهم، وربما وجد في التاريخ أبطال من ذوي الغنى واليسار، ولكن قليل ما هم.
ثم يكشف القرآن عن نكبة المجتمعات بهؤلاء المترفين، فإنهم سبب البلايا، ومنبع الفساد، حين يضلون السبيل؛ يشيع الغنى في قرية من القرى، ويكثر