/ صفحة 280 /
وعلى كل حال، فسيدنا محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) هو أول التعينات، وليس فوقه إلا الذات الأحدية؛ والحقيقة المحمدية عند الصوفية، هي العماد الذي قامت عليه قبة الوجود. (وإن شئت فقل أنه (صلى الله عليه وآله وسلّم)، العقل الأول عند الفلاسفة).
لهج الصوفية بهذه المعاني مستورة تارة، مكشوفة أُخرى في منثورهم ومنظومهم فأعجب ذلك الأدباء غير الصوفية من الكتاب والشعراء، فتأثروهم فيه (وضربوا على أوتارهم، فتغلغلت هذه الروح في شعابه، وانسابت في أعصابه؛ فترى الناثر يقول: لولاه ما خلق الله سماء ولا أرضا ولا لوحا ولا كرسيا الخ الخ.
وترى البوصيري يقول في البردة:
دع ما أدعته النصارى في نبيهم **** واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم
فكل شرع أتى الرسل الكرام به **** فأنما اتصلت من نوره بهم
ويقول في الهمزية:
كيف ترقى رقيك الأنبياء **** يا سماء ما طاولتها سماء
لن يدانوك في علاك وقد حا **** ل سنا منك دونهم وسناء
إنما مثلوا صفاتك للنــا **** س، كما مثل النجوم الماء
وبالنظرة العابرة، في قصائد المدائح النبوية بخاصة؛ وفيما يتغنى به القراء والمنشدون في ذكرى مولده ـ (صلى الله عليه وآله وسلّم) ـ ترى وحدة الوجود سافرة وضاحة؛ تجليها معالمها وآثارها.
حتى أميرنا المغفول له شوقي بك، دب إليه أثرها في (نبوياته) الرائعة المعجزة؛ اسمع ما يقول في نهج البردة:
ألقى رجائي ـ إذا عز المجير ـ على **** مفرج الكرب في الدارين والغمم
محمد صفوة الباري ورحمته **** وبغية الله من خلق ومن نسم
وأنا أيضاً ـ يا أميري ـ ألقى رجائي إذا عز المجير، على محمد صفوة الباري ورحمته، عليه الصلاة والسلام. (يتبع)