/ صفحة 26 /
ذلك، لأنهم لا يصلون إلى حقيقة، وإنما يدورون حول أنفسهم، ولو دققث النظر في تعريفاتهم، لوجدتها تعريفا بالمثل لا تعريفاً بالحقيقة، وأكثر الناس يعيشون بعقيدتهم لا بعلمهم، وبخرافاتهم وأوهامهم لا بعقلهم، فكيف وعقلهم لا يدرك حقيقة ما حوله؟ إن كان هذا حقا، فكيف يحاول العقل الإنساني البحث عن الله؟ إنه يكون كقوم لم يعرفوا أرضهم، فبحثوا عن المريخ، أو لم يعرفوا ما أمامهم، فخاولوا أن يعرفوا ما فوقهم.
ويعجبني ما ينسب إلى الإمام على كرم الله وجهه في الله تعالى: "إنه لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، لا بذى عظم تناهت به الغايات، فعظمته تجسيداً، ولا بذى كبر امتدت به النهايات فكبّرته تجسيما" كما يعجبني قول ابن أبى الحديد:
والله لا موسى ولا *** *** عيسى المسيح ولا محمد
علموا ولا جبريل وهو *** إلى محل القدس يصعد
كلا، ولا النفس البسيطة *** لا، ولا العقل المجرد
من كنه ذاتك غير أنك *** واحدىّ الذات سرمد
فلتخسأ الحكمة عن *** حرم له الأفلاك سجّد
من أنت يا رسطو ومن *** *** أفلاط قبلك يا مبّلد
ومن ابن سينا حين مرّ *** د ما بنيت له وشيد
هل أنتم إلا الفرا *** ش رأى الشهاب وقد توقد
فدنا فأحرق نفسه ولو اهتدى رشدأ لأبعد
وقوله أيضاً:
فيك يا أعجوبة الكو *** غدا الفكر قليلا
أنت حيرت ذوى اللبت *** وبلبلت العقولا
كلما أقدم فكرى *** فيك شبراً فرّ ميلا
تا كصا يخبط في عمياء *** لا يهدي السبيلا