/ صفحة 231 /
يأيها الناس:
فوصف الإنسانية الذي تضمنه نداء الناس جميعاً في الآتات الثلاث وهن: (يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثير ونساء)(1) (يأيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا خيراً لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السموات والأرض) (170) (يأيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبينا)(174) هذا الوصف: (الإنسانية) هو الحقيقة المشتركة بين بني الإنسان، التي جعلت منهم جميعاً أسرة واحدة، ذات رحم واحدة، وهو بعد ذلك عنوان على خاصة العقل والإدراك، ولا ريب أن خاصة العقل والإدراك تقضي بمعرفة الخالق، والقيام بحق شكره وتقواه، وأن وحدة الحقيقة والرحم تدعو إلى تبادل العطف والرحمة، وأن يأخذ القوي من أبناء تلك الحقيقة وهذه الرحم بيد الضعيف منهم، وأن يِعنى بالنظر في مصالحه ويرعي شئونه، وفي هذا حفز قوي نحو امتثال ما صدرت به السورة من أحكام الضعفاء من اليتامى، والنساء، والسفهاء.
وباعتبار خاصية الإدراك الذي يوحى به النداء بوصف (الناس) وجه النداء إلى منكري الحق، من المشركين الذين خالفوا في قضية الألوهية، وأهل الكتاب الذين خالفوا في قضية الرسالة، وطلب من الجميع الإيمان في ذلك بالحق الذي جاء به الرسول من الرب الذي خلقهم، ومنحهم العقل وجعله حجة عليهم، وكلفهم بمقتضاه. وعلى هذا الأساس خوطبوا في النداء الثالث بأن ما جاء به محمد، ليس مما تأباه العقول التي منحوها بوصف الإنسانية، وإنما هو نور يهرع إليه العقل الإنساني ويتغذى عن طريقه بالمعارف الحقة، النقية.
يأهل الكتاب:
أماوصف (أهل الكتاب) الذي نادت به السورة مرتين، فهو يدل على أن للمنادين بالوحي السماوي، والهداية الإلهية، صلة وثيقة عن طريق الكتاب الذي أوتوه، وصاروا أهلاً له، وفيه تقرير الحق في الألوهية، وما لله من أوصاف