/ صفحة 201 /
ذهب جماعة من قبيلة كمتامة البربرية إلى الحج، فلقيهم داعية الفاطميين باليمن أبو عبد الله الصنعاني، فتأثروا بغزارة علمه، وفصاحة لسانه، وبعد نظره، فدعوه إلى بلادهم المغرب فرحل معهم، واجتمع عليه البربر من كل مكان، فأظهر دعوته لآل البيت فيهم فتأثروا بها، وأخذوا على أنفسهم الجهاد في سبيلها، فنظمهم وسار بهم لفتح طريق الدولة الجديدة، وقامت هذه الدولة العبيدية كما هو مبسوط في التاريخ على يد عبيد الله المهدي الذي بني لها عاصمة جديدة بالقطر التونسي أسماها المهدية، لا تزال إلى الآن من عواصم الساحل التونسي، وتلت دولة العبيديين الدولة الفاطمية التي ركزت المذهب الشيعي في تونس وكثير من بلاد شمال إفريقيا، ونشاهدها أن البربر كانوا في المائة الثانية عماد مذهب الخوارج، كما كانوا في أواخر المائة الثالثة عماد مذهب الشيعة، ولا نقول إنهم وحدهم قد اعتقوا هذه المذاهب، بل كانوا هم الأكثرية الساحقة فيها، وعصب حروبها، ولعل ذلك يرجع إلى حداثة عهدهم بالإسلام، وإلى تخوفهم من استيلاء العرب القادمين علي النفوذ والسلطان، فيصبحوا محكومين للغير كما كانوا في العهود التي قبل الإسلام، فأرادوا أن يعتصموا بهذه المذاهب، لتكون الدولة بأيديهم، وقد زال هذا الشعوب بتقادم العهد، وخوصاً لما لمسوا بأيدهم أن الإسلام إنما يراعي الأصلح، ويقدم الأتقى، ولا يعترف إلا بالقيم الأخلاقية دون نظر إلى العرق أو اللون أو المنزلة الإجتماعية، فقد أسس البربر كما أسس غيرهم من الأجناس التي دخلت في الإسلام، دولاً كانوا هم عمادها في عصور مختلفة دون أن يتحرج الآخرون، ولذلك نجد الآن برابرة المغرب الأقصى وأكثرية برابرة الجزائر وتونس وطرابلس على المذهب المالكي، ولا تكاد تشعر بين البربر والعرب بفروق، إذ العقيدة الإسلامية طغت على كل شيء رغم تمسك البربر بلغتهم وأحرفها التي لا تزال عند البعض منهم، واحتفاظهم بشيء من التقاليد التي كانت لهم من قبل.
بقي المذهب الشيعي الفاطمي سائداً في تونس، وحكومة الشيعة قائمة فيها إلى أوائل القرن الخامس 439هـ، حيث طغت على الدولة الفتن، وعصفت بأتباع المذهب الحروب، فانكمش ثم اختفى، إلا أنه ترك مظاهره وآثاره باقية إلى