/ صفحة 191 /
الأندلس، ولذلك نالت منه ومن الغزالي قبله كثيراً من النقد، فما هي طريقته نفسه التي رضيها في هذه المسألة?
من البديهي أن يسلك ابن رشد إلى هذا الغرض سبيل الفلاسفة، أي إثبات وجود الله من ناحية الحركة والزمان، أو من ناحية النظر في الوجود الواجب والوجود الممكن على النحو الذي شرحه في نقده لابن سينا كما تقدم.
إلا أن هذا المسلك الفلسفي النظري يراه أليق بالخواص الفلاسفة، وأما غيرهم فلابد أن يكون لهم طريق آخر يتناسب ومداركهم، وهذا هو شأن فيلسوف قرطبة في بحث أكثر العقائد الدينية، هذه العقائد التي تثير من المشاكل ما لا يستطيع غير الخاصة النظر فيها من طريق الفلاسفة أصحاب البرهان كما يقول.
وابن رشد قبل أن يعرض لهذا الدليل الذي يصلح للجميع، أي للعلماء والجمهور، أو للخاصة والعامة، ونراه يذكر دليل الأشاعرة من المتكلمين، ثم ينقده لأنه لا يصلح في رأيه للخاصة ولا للعامة من الناس، إنه يقول إن هذا الدليل، في صورته المشهورة، يقوم على أن العالم حادث، وكل حادث لابد له من محدث، والمحدث هو الله (1).
إلا أن هذه الطريقة ليست، في رأي فيلسوف قرطبة، الطريقة الشرعية التي نبه الله عليها، ودعا الناس للإيمان به من قبلها، لما في إثبات هذه المقدمات من شكوك ليس في قوة صناعة الكلام الخروج منها، كما بين ذلك شيء من التطوبل (2).
بعد هذا يذكر أن الطريقة التي نصل بها لإثبات وجود الله، ولمعرفته، والتي نبه القرآن إليها، هي ما يسميه (دليل العناية) ثم (دليل الاختراع).
أما دليل العناية، فيقوم على أن جميع الموجودات موافقة لوجود الإنسان، فهي إذاً قد وجدت بإيجاد فاعل قاصد مريد لذلك. وأما دليل الإختراع فهو
ــــــــــ
(1) أنظر في هذا الإقتصاد للغزالي، مثلاً، ص13 وما بعدها.
(2) فلسفة ابن رشد، طبعة ميونيخ سنة 1859، ص29 وما بعدها.