/ صفحة 172 /
الوسيلة الوحيدة لبقاء الشريعة الإسلامية، واستقائها من ينابيعها بعد فقد المشرع وحفاظ شرعه، وهو واجب بنحو الوجوب الكفائي على عامة المسلمين، لحفظ تلك الأحكام التي لا يسوغ للمسلمين إهمالها وتركها في معرض الزوال والاضمحلال، على أن سد باب الإجتهاد معناه الحجر على العقول والأفهام أن تعرف حكم الله بالنظر والدليل، وهو خلاف مذاق الشرع الإسلامي الذي بني على منطق العقل، وحض على النظر والإعتبار، وخلاف حكمة تشريع الأحكام التي هي العمل بها، فإن العمل بالأحكام فرع معرفتها، وإذا جاز لأحد من الناس ولو كان صحابياً، أن يجتهد برأيه في الأحكام، فإن غيره يساويه في ذلك إذا حوى مؤهلات الاجتهاد، بلا فرق ولا امتياز، على أن العقول والأفهام في تطور وتفاضل فربما كان غير الصحابي أرقى فكراً، وأحد ذهنا، وأذكى قلباً، وأصوب نظراً منه، فكيف يرخص له بالإجتهاد دون غيره، لكن على شريطة أن لا يكون للإجتهاد في الحرية ما لا يتقيد معها بكتاب ولا بسنة حتى يفسح المجال لدعوى الإجتهاد في الكثير من الناس، وتحدث الفوضى التي توجب سد باب الإجتهاد حفظاً للشريعة من أن تكون في مهب الأهواء والأراء.
ولكن يؤخذ على الدكتور في كلامه مآخذ:
منها: أنه يدعو إلى فتح باب الإجتهاد المطلق بنحو لا يتقيد بحكم الكتاب والسنة، كما يفهم ذلك من قوله: (فالإجتهاد الذي نريده من هذا القبيل، بعد ذكر الأحكام التي صدر بها عمر بن الخطاب عن اجتهاده الحر الذي لم يبين على الكتاب ولا السنة، وإنما بني على الاستحسان العقلي، أو العلة المستنبطة بالظن، ومثل هذا الإجتهاد لا يكون حجة ولا مصدراً للأحكام الشرعية التي هي توقيفية لا يجوز أن يتعدى بها حدود ما أنزل الله (أما الحكم الأول) فإن المؤلفة قلوبهم ليسوا محصورين بالكفار الذين يستمالون للجهاد، بل أعم منهم ومن المسلمين الذين في نياتهم ضعف، وكان منهم أبو سفيان، والأقرع بن حابس، وعينية بن حصين ونظائرهم، وكانوا مسلمين يومئذ، وقد جعلهم الشافعي أربعة أقسام: قوم لهم