/ صفحة 169 /
لا يعتبران إلا في حالة الكشف عنهما، أو عن أحدهما بكشف معتبر، وإلا فلا حجية لهما بوجه: وما كان لمسلم مهما بلغ من رقي فكري، ومقدرة علمية ومكانة دينية، أن يشرع في الدين من تلقاء نفسه، باستحسان عقلي، أو بقياس ظني، أو بوجه في الرأي، لا يمت إلى الكتاب والسنة بصلة وإن بعدت، فإنه يكون مصداقاً لقوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ـ الظالمون ـ الفاسقون) على ما جاء في الآيات الثلاث 44، 45، 47 من سورة المائدة، وإذن لتعددت الأحكام، ولم يبق لقوله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، لسان صدق، ولا معنى حق؛ فإنها على هذا الفرض، تختلف باختلاف الآراء، وباختلاف المناسبات، وباختلاف المقتضيات الزمنية، وتجدد كما يتجدد أولئك جميعاً، فالاجتهاد عندهم ـ وهو ملكة عملية يقتدر معها على استنباط الحكم الشرعي ـ إنما يكون حجة على الحكم الإجتهادي، ومصدراً شرعياً له، فيما إذا بنيت أحكامه على أساس الكتاب والسنة، ولو كان ذلك أصلاً عملياً عقلياً أمضاه المشرع، أو أصلاً شرعياً وقاعدة عملية عامة مثل قوله تعالى (صلى الله عليه وآله وسلّم): كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه، في حال الاشتباه في حلية شيء أو حرمته، ومثل قوله (صلى الله عليه وآله وسلّم): رفع عن أمتي تسعة أشياء: الخطأ والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وما لا يعلمون وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة بأمر الخلق ما لم ينطق بسفه، ومثل قاعدة (العسر والحرج) المستقاة من قوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقاعدة: (لاضرر ولا ضرار في الإسلام)، ومثل قاعدة: (من ملك شيئاً ملك الإقرار به) وقاعدة: (اليد أمارة الملكية)، ومثل قاعدة (على اليد ما أخذت حتى تؤدي) إلى غير ذلك من القواعد الكثيرة العامة، التي جمعت فأوعت ما يحتاج إليه الإنسان في أفعاله ومعاملاته، حاضراً ومتجدداً، فإذا لم تجد لحادثة حكما في الكتاب فإنك تجده في السنة التي هي أوسع بسطاً وأوفر جمعاً للأحكام، وحيث إن الأمور الكلية، هي أفسح أفقاً، وأكثر شمولاً للأفراد، وضع المشرع الأقدس