/ صفحة 161 /
ومن الطريف ما ذكره كثير من فقهاء السنة والشيعة أن المضطر إذا لم يجد إلا نفسه جاز له أن يقطع بعض أعضائه غير الرئيسية التي لا يؤدي قطعها إلى هلاكه، ويأكلها، وأنه إذا وجد إنساناً ميتاً جاز له أن يأكل من لحمه.
وأول ما يختلج في النفس أن الفقهاء قد استوحوا هذا الفرض وأمثاله، من الفقر والحرمان في العصر الذي عاشوا فيه، وأن شأن المضطر في حركاته وسكناته أشبه بشأن الجماد تسيره قوة خارجة عنه، لأن لا يصغي ولا يمكن أن يصغي لقول: هذا حسن يجب فعله، وذاك قبيح يجب تركه.
وقد التقت النظرية القائله (إن الفقر ليتحدى كل فضيلة) بنظرية الفقهاء (لا عقاب مع اضطرار) بل هي عينها، وكفى بالفقر عقابا.
وقال الشيخ محمد على الأعم في منظومة الأطعمة والأشربة (1)
ما كان يوماً يعبد الإله الفضل للخبز الذي لولاه
ومن الأمثلة عندنا في جبل عامل (الجوع كافر) ولعل مصدر هذا المثل قول أبي ذر: (إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك) فقد تجول هذا الصحابي في قرى العامليين ـ جنوب لبنان ـ ينذر ويبشر أهله، عند ما نفاه عثمان إلى بلاد الشام.
وليس الفقر كفراً فحسب، بل هو الموت الأكبر، كما قال الإمام علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه: موت للعقل والروح والجسم، فلا صحة ولا علم، ولا فضيلة مع فقر، فالجهاد للقضاء على الفقر أفضل من كل جهاد عند الله سبحانه، لأنه جهاد في سبيل الإيمان بالله والعمل بشريعته وأحكامه.

ــــــــــ
الشيخ محمد علي الأعسم عالم من علماء النجف وشعرائها، له منظومات في الفه والعربية، توفي سنة 1247 هجرية.