/ صفحة 148 /
إنها معركة الحياة أو الموت، فإما أن تتغلب هذه الأمة على عناصر التخذيل والتثبيط، وإثارة الفتن، وإيغار الصدور، فتحيأ حياة طيبة عزيزة كريمة، ويكون لها في العالم شأن ومنزلة، وإما أن تسقط صريعة مخذولة بأيدي هذه العناصر، فتموت موتاً ولا يبقى لها إلا ما تعودت أن تردده من ذكريات العز المنقضي، والمجد القديم.
لقد تألفت جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية منذ أكثر من خمس سنوات، وكان تأليفها جداً لا هزلاً ولا عبثاً، لأنه كان أثر إحساس عميق بالخطر الداهم الذي يتهدد هذه الأمة، أو بالمرض المتأصل الذي ظل يسري في جسدها قروناً متوالية حتى أنهك قوتها، وأضعف عزيمتها، وكأنما كان هناك صوت في الأمة يناشد ضمائر أبنائها المخلصين أن ائتلفوا أمام الخطر، وانسوا ما بينكم لتفرغوا لعدوكم، وكونوا أمة واحدة كما ترككم نبيكم، فلم يزل هذه الصوت هتافاً في الضمائر والقلوب حتى أصبح حقيقة واقعة، فإذا جماعة التقريب قائمة تحمل في العالم الإسلامي لواء دعوة كريمة نبيلة أساسها الأخوة في الدين، والوحدة في المصالح والأهداف، وشعارها التسامح وإسدال ستار غليظ من النسيان أو الإهمال على أسباب الخصومات والعداوات، وترك كل فريق من الأمة وما اختار لنفسه مما لا يضر الاختلاف فيه، بعد الاتفاق على الأصول وأركان الإيمان.
وسرت هذه الدعوة في الأمة كما يسري البرء في جسم العليل، وتلاقى عليها الناس في مصر والعراق والشام واليمن وإيران وسائر بلاد الإسلام في المشرق والمغرب، وصارت، دار التقريب) مركزاً هاماً للتوجيه العلمي الإصلاحي في العالم الإسلامي، تصدر عنها وترد إليها بحوث أهل العلم والرأي من مختلف البلاد والطوائف، لا فرق بين بلد وبلد، ولا بين مذهب ومذهب، وكثيراً ما يجتمع في قاعاتها أو مكتبتها جهابذة وقادة ومفكرون يدرسون أحوال الأمة، وينعمون النظر فيها، ويعملون صامتين على تأليف قلوب أبنائها، وتوحيد كلمتهم،