/ صفحة 142 /
إن الإسلام هو دين الوحدة كما هو دين التوحيد، وقد حرصت شريعته الخالدة على أن تقر في الناس أسس التضامن والتكافل الاجتماعي، والتعاون على البر والتقوى، وعلى أن تنزع من بينهم أسباب العداوات والضغائن، وما ينزغ به الشيطان بينهم ليفشلوا وتذهب ريحهم.
وهذه هي القواعد الخمس التي بني عليها هذا الدين المتين، ترمي كلها إلى توطيد أمر المسلمين على الوحدة والألفة واتفاق الغاية.
فالمؤمنون جميعاً يشهدون شهادة واحدة: أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لا يختلف فيها مؤمن عن مؤمن، وليس لها عند فريق منهم معنى يخالف ما عند الآخرين، وهم ملتزمون بمقتضى ذلك أن يجعلوا الأمر كله لله، فلا حكم إلا حكمه، ولا تشريع إلا تشريعه، ولا عبادة إلا له، ولا قربى ولا زلفى إلا إليه، وكل ما جاء عنه في كتابه، أو صح عن رسوله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فهو مقبول، لا يسع مؤمنا أن يخرج منه، أو يحيد عنه، وإنما تختلف الإفهام في شيء، وتتفق في شيء، ويصح بعض المروي عند فريق، ولا يصح عند فريق، وقد قال الشافعي رضي الله عنه: (أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس)(1).
وقد كان من فضل الله ورحمته وحكمته في تشريعه أنه لم يدع أصلاً يريد أن يتعبد الناس به اعتقاداً أو عملاً إلا وهو محكم مبين بياناً واضحاً في معناه ومبناه وطريق ثبوته، حتى لا يبقى محلا لجدل، ولا موضعاً لاجتهاد أو نظر، ذلك شأن الأصول كلها، لا تختلف فيها الإفهام، ولا تدور مع الزمان والمكان، ولا يقال فيها: هذا رأي فلان، وتلك حجة فلان، أما الفروع في العلميات أو العمليات، وثبوت مروي فيها أو عدم ثبوته، فتلك هي مواطن البحث والنظر ومجال التحقيق والآراء، ومن ثم كانت مواطن خلاف، لكل في شأنها وجهة هو موليها، والأمر فيها خاضع لما يراه أهل التقدير والعلم بالأدلة والأحكام
ــــــــــ
(1) أعلام الموقعين ج1 ص7.