/ صفحة 76 /
وما دام الأتباع قد أرضوا قائدهم، أو اختاروه هم لقيادتهم، فليكونوا مثله في صدق الإيمان والاخلاص في العمل، وعليهم أن يسمعوا ويطيعوا، ولو كلفتهم الطاعة بذل المهج، ولن يكون هذا البذل في سبيل شخص القائد ـ كما يزعم المعوقون ـ ولكنه بذل في سبيل فكرة آمن الجميع بحقيتها وسموها، وفي سبيل سعادة الجميع، فمن واجبهم أن يستقيموا له ما استقام لهم وللفكرة التي آمنوا بها، فإذا اعوج أو تنكر لمبادئه نبذوه، واستبدلوا به غيره، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وليعلم الأتباع أن واجبهم عظيم، وتبعاتهم ثقيلة، فهم أجنحة النصر وسيوفه، ولهم مفاخره وعليهم تكاليفه، فليكونوا لقائدهم ودعوتهم أجنحة قوية، وسيوفا باترة، ليحلقوا بمجتمعهم إلى أرفع مكان في ساحة العزة والكرامة، وليكونوا ألسنة فصيحة للدعوة، تنطق بمجدها، وتعلن عن سموها، وعنوانا على نبل الدعوة وصلاحية مبادئها.
فإذا كانت القيادة وأتباعها من هذا الطراز الخالص في إيمانه، الملمتزم للمبادئ التي آمن الجميع بها، وصلت الأمة بها إلى أهدافها المرجوة، وتحققت سعادتها، وساد فيها الخير والكرامة.
وقد كانت للأمة الإسلامية قيادة رشيدة خيرة، سارت في جميع تصرفاتها وفق مارسم الله للرعاة من مبادئ، وما حدّ لهم من حدود، ووصلت الأمة الإسلامية عن طريق هذه القيادة الرشيدة إلى أمنع قمة من قمم المجد والعز المكين، تمثلت هذه القيادة، قي قيادة الرسول محمد صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وفي قيادة أصحابه الهداة من بعده، ثم جاءت من بعدهم خلوف مالت، ثم اعوجت، ثم اضطربت، ثم فسدت القيادة نتيجة لمبلغ قربهم أو بعدهم عن تعاليم القيادة الرشيدة. حتى أسلموا الأمة إلى الذل والعبودية، ومزقوا مجدها كل ممزق، ولم يسمعوا لناصح، ولم يهتدوا إلى الخير سبيلا، أولم ينصحهم أو يهدهم إلى الرشد بقية أهل القيادة وهم العلماء.