/ صفحة 440/
و الأكثر من هذا، أن الصليبيين ختموا كثيراً من انتصاراتهم بمذابح لا رحمة فيها ولا هوادة. ولم يكفهم ما أنزلوه بأسرى الحرب من تقتيل، بل تعدوا ذلك إلى الشيوخ والنساء والأطفال، حتى زادت ضحايا يوم واحد عن الألف عداً، وحدث على عهد الملك جفرى سنة 1098: أن شهدت شوارع بيت المقدس استشهاد عشرة آلاف نفس في يوم واحد، فضلا عن احراق اليهود أحياء في معابدهم. وكل ما عمله الصليبيون للتكفير عن آثامهم، هو ذهابهم إلى الكنيسة لترتيل أناشيد الحمد والثناء على ذلك النصر المبين.
فلا عجب اذن، أن اختفت أسباب الجمال من الحياة الأوروبية على حين دفعت مثل الإسلام العليا إلى الاهتمام بالفنون ورعايتها، حتى بدت الفنون الإسلامية في غير حاجة إلى تحسين بعد قرون من نشأتها.
و لعل أسطورة انتشار الإسلام بحد السيف مصدرها عبارة ((سيف الإسلام)) التي لقب بها خالد بن الوليد قائد الحملات الإسلامية الأولى، وهو الفاتح العظيم الذي اتصف بالتسامح والكرم والعقل.
و الحق أن الإسلام دين تسامح وحرية، لأنه لا يعترف بنظام الطبقات، ولا يقر امتيازات المولد، وليست له منظمات اكليروسية، ولا سلطان اكليروسي. وتبدو تعاليم هذا الدين سهلة معقولة للمبتدئين فيه، إذا قورنت بتعدد الآلهة الوثنية أو تعقد المذاهب المسيحية، كما ينظر المسلمون إلى من عداهم نظرة استهانة ولكنهم على أية حال لا يفكرون مطلقاً في اضطهاد من يقيم بينهم، من أجل عقيدته، ثم انهم يرحبون بمن يدخل من هؤلاء في الإسلام الذي لا يقر ألوهية المسيح ولا يعترف بضرورة التضحية بالنفس من أجل خلاص البشر.
وانه من اليسير على ذوي المشاعر الرقيقة تقبل دين الإسلام والتسليم بشروط الأيمان، وأداء أركانه الخمسة، وهي شهادة أن لا اله الا الله وأن محمداً رسول الله، وأداء الصلوات الخمس، وصوم رمضان، واخراج الزكاة، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا.