/ صفحة 294 /
به من عند نفسه، وقيل: ان ههنا محذوفاً وتقديره، أيكذبونك فيما آتيتهم به في القرآن، أم يقولون افتريته على ربك، وحذف لدلالة ما أبقى على ما ألقى، وعلى هذا، فتكون أم هذه متصلة (قل) يا محمد لهم: "فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، أي ان كان هذا مفترى على الله كما زعمتم، فأتوا أنتم بعشر سور مثله، في النظم، والفصاحة مفتريات على زعمكم، فان القرآن نزل بلغتكم، وقد نشأت أنا بين أظهركم، فان لم يمكنكم ذلك فاعلموا أنه من عند الله تعالى، وهذا صريح في التحدى، وفيه دلالة على جهة اعجاز القرآن: وأنها هي البلاغة والفصاحة في هذا النظم الخصوص، لأنه لوكان جهة الاعجاز غير ذلك، لما قنع في المعارضة بالافتراء والاختلاف، لأن البلاغة ثلاث طبقات، فأعلى طبقاتها معجز وأدناها وأوسطها ممكن، فالتحدى في لآية، إنّما وقع في الطبقة العليا منها، ولوكان وجه الاعجاز "الصرفة" لكان الركيك من الكلام أبلغ في باب الاعجاز والمثل المذكور في الآية، لايجوز أن يكون المراد به مثله في الجنس، لأن مثله في الجنس يكون حكايته، فلا يقع بها التحدى، وإنّما يرجع ذلك إلى ما هو متعارف بين العرب في تحدى بعضهم بعضا، كما اشتتهر من مناقضات امرىء القيس، وعلقمة، وعمرو ابن كلثوم، والحرث بن حلزة، وجرير، والفرزدق وغيرهم. وقوله: "وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين" معناه: أدعوهم ليعينوكم على معارضة القرآن ان كنتم صادقين في قولكم انى افتريته، ويريد بقوله من استطعتم من خالف نبينا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم في جميع الأمم، وهذا غاية ما يمكن من التحدى والمحاجة، وفيه الدلالة الواضحة على اعجاز القرآن، لأنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تحداهم به وأوعدهم بالقتل والأسر بعد أن عاب دينهم وآلهتهم، وثبت أنهم كانوا أحرص الناس على ابطال أمره ×، حتى بذلوا مهجم وأموالهم في ذلك، فإذا قيل لهم: افتروا أنتم مثل هذا القرآن، واحضوا حجته، وذلك أيسر وأهون عليكم من كل ما تكلفتموه، فعدلوا عن ذلك، وصاروا إلى الحرب والقتل، وتكلف الأمور الشاقة، فذلك من أدل الدلائل على عجزهم، اذلوقدروا على معارضته مع سهولة ذلك عليهم لفعلوه.