/ صفحة 256 /
وقد وضع الامام اصبعه على آفة من آفات الجماهير وطبيعة من أخص طبائعهم، وهي سرعة التقلب، وقد وضحها "شكسبير" أبلغ توضيح في رواية "يوليوس قيصر".
وقد أمر رضى الله عنه باحترام التقاليد الشعبية، والعادات الاجتماعية، فكان حكيما بعيد النظر في سياسة الجماعات، وما زلنا نرى ساسة الأمم يفشلون حين يتجاهلون للشعوب تقاليدها، وللجاعات عرفها، قال الامام:
"ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة وصلحت بها الرعية".
وإذا أردت وصفاً دقيقا يصدّق الحكمة القائلة "التاريخ يعيد نفسه" فاستمع إليه وهو يصف مجتمعه بأوصاف كأنهم يعيشون بيننا ويتنقلون بين أظهرنا، فيقول: "واعلمواـ رحمكم الله ـ أنكم في زمان القبائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل، أهله معتكفون على العصيان، مصطلحون على الادهان، فتاهم عارم ـ شرس ـ وشائبهم آثم، وعالمهم منافق، وقارئهم مماذق ـ غاش مخادع ـ لايعظم صغير هم كبير هم، ولايعول غنيهم فقير هم". وكان دستوره رضى الله عنه في تحصيل الضرائب، الرفق بالأهلين، وعدم بيع شى ء ضرورى، وهذا ما تفعله قوانينا الحديثة، من منع الحجز على الملابس، ومرتبات الموظفين، وكل ما يقوم به الأود، فيقول:"ولا تبيعُن للناس في الخراج كسوة شتاه ولاصيف ولا دابة يعتمدون عليها، فان شكوا ثقلا ـ أي ثقل المضروب عليهم من مال الخراج ـ أو علة أوانقطاع شرب ـ أي ماء في بلاد تسقى بالانهارـ أو بالّةـ أي ما يبل الأرض من ندى ومطر ـ أو احالة أرض اغتمرها غرق ـ أي تحويلها البذر إلى فساد بالتعفن لما اغتمرها وعمها من الغرق ـ أو أجحف بها عطش، خففت عنهم بما ترجوان يصلح به أمرهم"، وهذا بعد نظر، وسياسة مالية حكيمة، تزيد وضوحا في قوله:
"تفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فان في صلاحه وصلاحهم صلاحا لمن