/ صفحة 255 /
العامة، وليس أحد من الرعية أثقل على الوالى مؤونة في الرخاء وأقل معونة له في البلاء، وأكره للانصاف، وأسأل بالالحاف، وأقل شكراً أعند الاعطاء وابطاً عذراً عند المنع، وأضعف صبرا عند ملمات الدهر، من أهل الخاصة. وإنّما عماد الدين وجماع المسلمين، والعدة للأعداء: العامة، فليكن صفوك لهم، وميلك معهم" فهذا كلام صريح في تفضيلهم، والاعتماد عليهم.
غيرأنا نقف برهة عند هذا الاندفاع، نقف لنسمع الاعتدال في الرأى والأصالة في الحزم، والدقة في الفكرة، يقول رضى الله عنه في وصية له:
"ثم الصق بذوى الأحساب وأهل البيوتات الصالحة، والسوابق الحسنة، ثم أهل النجدة والشجاعة، والسخاء والسماحة".
نعم ان هذا النغمة قد تبدو شاذة، ولكن ينبغى ألا نرتاع لها ولنكمل استمتاعنا بأنشودة الامام الحبيبة، فان وصيته بالا لتصاق بذوى الأحساب لاتنافي الديمقراطية فهولم يدع إلى تمييزهم، وإنّما دعا إلى الانتفاع بما عند هم، وكثيراً ما يتسق نبل الأخلاق مع نبل الدماء، ثم ان الامام أتبع ذلك بقوله "والسوابق الحسنه ثم أهل النجدة والشجاعة والسماحة" وهولاء يكونون من هذه الطبقة كما يكونون من تلك دون تمييز، على أن الامام قد تأثر فيما يبدو بما كان عند العرب من احترام للأنساب وتفاخربها.
وإذا كان الامام قد أخذ بالد يمقراطية كما وضح فمن الطبيعى أن نراه نصيرا للحرية، يهيب بابنه "ولا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا".
ولكن الامام لم ينس أن للجمهور سيئاته، كما أن له حسناتة، فلنسمع كلمة الامام في الغوغاء، قال:
"الناس ثلاثة: فعالم ربانى، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع اتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق".
ووصف الغوغاء في موضع آخر بأنهم من إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يعرفوا، ووصفهم مرة أخرى بأنهم من إذا اجتمعوا ضروا، وإذا تفرقوا نفعوا، لأن كل صانع ينصرف إلى عمله فيحصل النفع.