/ صفحة 164 /
في أواخر رمضان، ولم يرجع الرسول إلى المدينة إلا في ذي الحجة، فعلى أقل تقدير يكون الحديث في أوائل العام التاسع الهجري.
(ز) يضاف إلى إن الحكمة التي قصدها الإسلام في الحديث كان وقتها المناسب حينما كثر المسلمون كثرة تجعل من العسير الاشراف عليهم جميعاً ولم يكثروا الا بعد فتح مكة وإذن لقد هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واتسعت دائرة الإسلام وكثر الأتباع، وقد مضى عليهم ثلاثة عشر عاما في مكة، وثمانية أعوام في المدينة يَقرَءون بعادتهم اللغوية، فلم يصل إلينا أن بعضهم أنكر على بعض في القراءة، أو شك بعضهم في تلاوة الآخر.
نعم لقد مضى على الإسلام والقرآن في مكة ثلاثة عشر عاما، نزلت فيها بضع وثمانون سورة، ثم ثمانية أعوام في المدينة نزل فيها كثير من السور، فما حدث خلاف بينهم مع إسلام كثير ممن لهم لهجات مختلفة من إمالة وتسهيل وغير ذلك، وما أتانا خبر عن تنازعهم الذي أدى إلى أن يلبب عمر هشام بن حكيم بردائه وهما قرشيان لهجتهما واحدة، ويذهب به إلى الرسول ليستقرئه، والي أن يدخل الشك في قلب عمر فيقول الرسول ثلاثا: أبعد شيطانا، وأن يدخل قلب أبي بن كعب من التكذيب، ولا إذ كان في الجاهلية فيضرب الرسول صدره فيتصبب عرقا...
* * *
العرب أمة أمية أغلبهم لم يقرأ كتاباً قط، ومنهم ـ كما في الحديث ـ الشيخ الفاني، ومنهم الغلام، ومنهم العجوز الكبير، وهؤلاء تعجز ذاكرتهم عن الحفظ الوثيق وبخاصة أن القرآن قد كثرت سوره وتعددت آياته، والرغبة الدينية في النفوس قوية إذ كانوا يحرصون على تلاوة القرآن، فلا تنزل آية إلا بادروا إلى استماعها وتلقيها، ولكن ما يكاد يمر عليهم زمن حتى يشتبهوا أن يكون هذا اللفظ أو مرادفه هو المنزل، وأكثرهم لم يكتبوه لأميتهم، فيرجعوا إلى الرسول، وإلى من كتبوه يستعيدون ما تلقوه، ويتكرر ذلك، والرسول يشهد ما هم فيه من معاناة، وما يبذلونه من جهد، ويعلم ـ كما قال لهم ـ أن القرآن أشد انفلاتاً من الإبل