/ صفحة 16 /
تقواه والخوف منه عامة في جميع الأمم، وبذلك التقت الرسل أولهم مع آخرهم على هذه الكلمة: (أفلا تتقون). (فاتقوا الله وأطيعون).
إذا وجدت التقوى في النقوس دفعت إلى التمسك بكتاب الله، والاعتصام بحبله، وذلك يكون بتعرف أحكام الله أوامره ونواهيه، والعمل بها، والخضوع لها، ونبذ ما سواها والعمل على نشرها.
وحبل الله كما روي مرفوعا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو القرآن الكريم، الذي يهدي للتي هي أقوم، وهو هدى الله الذي بعث به الأنبياء، وختم به الرسالات، وعُبر عنه بالحبل ـ والحبل أداة الربط والحفظ ـ للإشارة إلى أن الكتاب بتعالميه أحكامه يربط العاملين به بعضهم ببعض، ويربطهم جميعاً بربهم، ويكون عصمة لهم من التردي في مهاوي الأهواء والشهوات.
وبعد أن تأمر الآية المؤمنين بالتمسك والاعتصام بحبل الله، المقتضي لجمع الكلمة، تصرح بالنهي عن التفرق (ولا تفرقوا) وقد أطلق النهي عن التفرق إطلاقا، فشمل التفرق الناشيء عن الاعتداد بالعصبيات والجنسيات، كما كانت سنة أهل الجاهلية التي أبطلها الإسلام، والتي لأجلها نزلت هذه الآيات، والتي جاء فيها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس منا من دعا إلى عصبية) وشمل التفرق الناشئ عن الآراء المبتدعة التي سحر بها فريق من الناس، وآثروها على كتاب الله فنبذوه وراءهم ظهرياً، واتبعوا ما تملي عليهم الشهوات والأهواء، وصاروا بها شيعا يضرب بعضهم رقاب بعض (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنّما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون).
وليس من التفرق المنهي عنه أن تختلف الآراء والإفهام فيما جعله الله محلا للآراء والإفهام، ووكل أمره إلى اجتهاد المجتهدين عن طريق النظر في الأدلة والمصالح ومراعاة ما ينفع الناس، وإنما التفرق المنهي عن هو التفرق عن سبيل الله الواضحة البينة، والإعراض عما نص الله عليه، وتحكيم الهوى في الدين والمصلحة، وعدم الرجوع في معرفة الحق والصالح إلى قواعد التشريع العامة التي تضمنها كتاب الله