/ صفحة 148 /
صدراً في هذا، وأكثر قبولا لنظرية الاجتهاد، لولا أنهم أكثروا من شروط هذا بما يساوي الاجتهاد المقيد، ونحن نريد الاجتهاد المطلق.
والاجتهاد الذي نريده لا يصح أن يُعطَى لكل شخص، وإلا كانت الفوضى والاضطراب، إنّما نريده لأهل الحل والعقد الذين تتوافر فيهم شروطه كبعض أعضاء مجلس النواب والشيوخ وبعض رجال العلم ونحو ذلك، والاسلام مَرِن بطبعه يتحمل مثل ذلك، فقد جعل الاجتها مصدرا من مصادر الشريعة، وأباح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاذ بن جَبَل أن يجتهد برأيه، وأباح للصحابة أن يجتهدوا بآرائهم مع رأيه في شئون الدنيا، فقر أمرهم مرة ألا يؤَبِّروا النخل، فلما فعلوا ذلك لم يُثمر، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أنتم أعلم بأمور دنياكم، وقد فعل (صلى الله عليه وآله وسلم) أشياء كثيرة لا تتصل بالدين، وإنما فعلها لمزاجه كحبه للدباء، أو نزولا على عادة قومه كطريقة لبسه ونوعه والالتحاء وصبغ اللحية ونحو ذلك، فهذه كلها أمور ليست من الشريعة في شيء، ولكل زمن عُرفُه وتقاليده، ولكل شخص مزاجه، فخلُط هذه الأمور بعضها ببعض خلط غير صحيح، وقد روي عن الإمام أحمد بن حنبل أنه امتنع عن أكل البطيخ لأنه لم يعلم الموضع الذي قطعه منه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذه مسألة عاطفية لا صلة لها بالدين، ولكن حبه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وحبه للاقتداء به في كل شيء، سواء أ كان من العبادات أم من غيرها دعاه إلى فعل ذلك فهو أمر دعاه إليه الحب لا الدين.
ونحن في زمن تتوالى فيه المخترعات والصناعات، وتغمرنا فيه المدنية الحديثة بألوان كثيرة من المسائل، وكلها تحتاج إلى اجتهاد، فإذا ظهر الراديو مثلا تساءلنا هل يصح أن نسمع منه القرآن أولا يصح؟ والعالم نفسه يواجه هذه المشاكل، فلما اخترعت الطائرات احتاج السياسيون أن يضعوا مواد في القانون الدولي لمرور الطائرات في جو الممالك الأخرى، وكذلك شأنهم في النظم البريدية الحديثة والسفن والقطارات وغير ذلك، فإذا نحن جمدنا لعدم وجود النص، ولم نقابل هذه الأمور وأمثالها بالاجتهاد، وتخلف المسلمون، كانوا أمام أحد أمرين: