/ صفحة 144 /
غنيمة، بعضها لإنجلترا، وبعضها لفرنسا، ولإيطاليا، وبعضها لغيرهم، إلا أمة واحدة هي الحبشة، فقد احترمت هذه الدول كلها استقلالها، ولم تمسها باحتلال ولا استعمار، وما كان ذلك إلا لأنها أمة مسيحية، ولما أراد موسوليني أن يحتلها، قامت في وجهه الدول كلها، وقررت عصبة الأمم قرار العقوبات المشهور ضد إيطاليا، ثم لما هزمت إيطاليا حُرِّرت الحبشة، وطرد منها الفاتحون، وأعيد إمبراطورها المخلوع الذي ظل ضيفاً مكرما على إحدى الدول المسيحية الكبرى طول محنته.
وهذه مصر قد بلغت من الرقى والحضارة مبلغاً عظيماً، جعلها في مصاف كثير من الدول الأوربية، والإنجليز مع هذا رابضون في بلادها لا يريدون لها براحا، ولهم في تبرير ذلك والتعلل له أباطيل تدرجت مع السبعين عاما التي قضوها، كان أولها ما زعموه من أن الغرض من بقائهم هو حماية العرش، وآخرها ما يزعمونه الآن من مركز مصر كقاعدة (استراتيجية) هامة عليها مدار التوازن العالمي، ولا سيما في الشرق الأوسط، ومن عجب أنهم يقولون ذلك في منظماتهم الدولية التي أنشأوها لغرض الاستعمار ولكن باسم الحرية والدفاع عن حقوق الضعفاء، فيجدون من يصدقهم فيه، ويؤازرهم عليه.
ولو وازنا بين موقف الأوربيين من مصر، وموقفهم من بلاد البلقان، وكلها كانت تابعة للدولة العلية، لكفانا في هذه الموازنة أن بلاد البلقان كلها قد نالت استقلالها حتى الصرب والجبل الأسود؛ على حين ظلت مصر تعاني من مرارة النضال مع بريطانيا وغير بريطانيا ما تعاني إلى اليوم.
أليس ذلك من آثار الروح الصليبية؟
ثم ها هي ذي مراكش الجريحة المضطهدة، يتركها المنادون بالحريات، المتشدقون بحقوق الإنسان، ضحية لفرنسا تنكل بها، وتشرد أبناءها، وتسجن أبطالها، وتطوق قصر سلطانها بخيلها ورجلها، وتنتزع خاتمه لتمهر به ما تشاء