/ صفحة 143 /
والخلافات المذهبية عن دينهم وسلطانهم واتخاذ الحيطة لأعدائهم، حتى رأى أهل أوربا أن الفرصة قد سنحت، فأعادوا حروبهم الصليبية في ثوب جديد أرادوا به سترها، ولكنه شفَّ عنها، حتى قال السلطان عبد الحميد كلمته المشهورة التي يخيل إلى دائماً لشدة وقعها في نفسي كأني اسمعها من فمه: (إن أوربا تحاربنا حرباً صليبية في صورة سياسية).
* * *
لقد كان عبد الحميد على حق، وعلي علم عظيم حين قال هذه الكلمة، فقد بلغ تكتل الأوربيين في عهده لمحق المسلمين مبلغاً عظيماً، وكان بحكم مركزه السامي، وطبيعة عمله المتصل بالسياسة الدولية، بصيراً بما يدبر من المؤامرات لهدم الإسلام وتحطيم نفوذه كدولة ذات جاه وسلطان وملك كبير، بل كان كثير من زعماء المسلمين الذين ليس لهم من وسائل العلم بلذلك ماله، يعرفون من أمر هذا التكتل الشيء الكثير، فنبه إليه جمال الدين الأفغاني وإخوانه وتلاميذه، وصاحوا في العالم الإسلامي صيحة الخطر، وأنشأوا المجلات والجرائد، ونشروا المقالات، وألفوا الكتب، وعقدوا الاجتماعات، وخطبوا، وسافروا، وحلوا وارتحلوا، ولم يتركوا وسيلة من وسائل التنيبه إلا توسلوا بها، وكان السلطان يؤيدهم في قرارة نفسه لما يعلم من علمهم وصدق دعوتهم، ولكنه لم يظهر بهذا التأييد إلا اخيراً بعد أن رأى المسيحيين يحاربون هذه الدعوة، ويعلمون على كبحها وإطفاء جذوتها، ويؤلفون الجمعيات التبشيرية والدراسية من سرية وعلنية لمقاومتها، بيد أنه لم يلبث حتى عزل ثم مات.
وأحسب أن القرن الحالي هو أشد القرون على الإسلام والمسلمين، وأن الحروب الصليبية قد عادت فيه سافرة، ولم يعد مصدرها أهل أوربا فحسب بل انضم إليهم فيها أهل أمريكا.
وإذا أردنا نسوق على ذلك دليلا، فإننا نلفت النظر إلى أمور، أحدها: أن أفريقيا غُابت على أمرها، فامتدت إليها أيدي المستعمرين فاقتسموها فيما بينهم